الأربعاء، 6 فبراير 2013

بشر - مقال

الكائنات البشرية هبطت على الأرض منذ ألاف السنين ..
الأرض كوكب هادىء نسبياً مقارنة بشركائه فى المجموعة الشمسية وكبقية الكائنات الحية تطور البشر، فمن بشرى يرتدى بالكاد ما يستر عورته إلى ثرى إنجليزى يرتدى بدلة يكفى ثمنها لسد عجز أسرة ريفية تسكن حدود لندن ، ولم ينس القبعة السوداء والعصا المذهبة ..
ثم عادوا للعرى ثانية بإرادتهم طارحين أثواب القماش جانباً بينما التصق بأجسادهم أثواب الزيف والخداع والتملق ..

لعل هذه كانت البداية لنهاية ما قادمة لا نعرفها بعد، الحقيقة أن الجنس البشرى لم تعجبه فكرة العيش فى جماعات كثيراً فصاروا يقسّمون انفسهم على مضض، دول كبيرة ودول صغيرة ودويلات وداخل كل كيان من هذه الكيانات يوجد كيانات أصغر، محافظات وولايات وقبائل وعشائر بل وصاروا يقسمون أنفسهم تبعاً لإنتمائتهم سواء إلى جماعات علنية أو سرية عادة ما تكون ذات طابع سياسى أو دينى وربما يكون إنتماء الفرد لها اكبر من إنتماءه لبلده، وعلى أى حال كلما صغرت الجماعة كلما راقت للبشر وصاروا اكثر إنتماءاً وحرصاً عليها ثم صاروا يرفضون الاخر، أى أخر خارج  الجماعة، يتمنى كل منهم لو كان الكون له وحده!
ولو تكلمنا عن كل شعب أو قبيلة من البشر على مر التاريخ فسنجد المزايا والعيوب والعادات المختلفة، حتى الطقوس الدينية للدين الواحد تختلف من شعب لأخر، ولكل بقعة من الارض قانون مكتوب على الهواء الذى يتنفسه أهلها ..

لنكن منصفين إذاً يا سادة فأنا اكتب بالعربية وأعيش بمصر، لست فضائياً يحدثكم عن أصل جنسكم ونشأته، أنا فقط أريد أن أرى البداية عبر أعينكم ولكن بالتأكيد وكبشرى أصيل سأتحدث عن الأرض والشعب الذى انتمى إليه وليذهب أى شىء أخر للجحيم!

سأتحدث عن الشعب الرائع الذى لم تجوب البشرية بمثله، شعب خرج منه خير أجناد الارض بل هو خير شعوب الارض على الاطلاق، هو ملح الارض وشعب الله المختار ..
كفانا مجاملات، أعلم أن وجه كلاً منكم أحمرّ من الخجل والحقيقة أننا بالفعل شعب مجامل فنحن الشعب الوحيد الذى تغنى بحلاوة شمسه بالرغم من أنها تصفع رأسه طوال شهور الصيف وحين يأتى الشتاء تختبىء منه خلف السحاب!

لا يا سادة تلك التى مضت لم تكن بداية صحيحة فلو أن الفراعنة بنوا أهرامات ومعابد لتدل على عظمتهم وتقدمهم المعمارى فالجيل الحديث بنى أهرام ومعابد من الكلمات لتدل على عظمته وحان الوقت لنهدم هذه الاساطير البالية ..
هذا وطن يعانى معظم افراده فالبشرى المصرى معقد نفسياً تحاصره ظروف قاسية من كل جانب، الجميع يتلاعبون بمصيره ولا يملك من أمر نفسه شيئاً، يسرقون قوت أبناءه ثم يرتدون البذلات الفخمة ويخرجون عليه ببيانات عن حبهم للبلاد والعباد، صارت نفسيته كالثوب المهلل فما كان منه إلا أن صنع لنفسه زى انسانى فقط ليحاكى به بقية البشر، وما لا تستطيع إنجازه بالفعل يمكنك تحقيقه بالكلمات، ومن هنا ظهرت العبارات التى تتحدث عن كون الطفل المصرى اذكى طفل بالعالم، وإن كان الامر كذلك فنحن نتحدث عن طفل واحد فحسب أما بقية الاطفال هم إما يعانون المأساة التعليمية أو أطفال شوارع يدخنون السجائر من قبل سن العاشرة ويعبثون بالمارة من النساء ثم يعبثون ببعضهم البعض وبعدها يعبثوا بالوطن بأسره، أما عن الوطن فقد صار العاهرة التى يعبث بها الجميع منذ زمن!

طبقات وفئات المصريين واختلافات مذاهبهم وانتمائتهم وجماعاتهم واحزابهم كثيرة للغاية، التفرق سائد بإكتساح تستطيع أن تشم رائحته مع روائح العوادم، حتى الكرة فشلت فى جمعنا وصارت الناس تُقتل فى مبارياتها، ولو أن فريق مصرى يلاعب أخر أجنبى لشجع الفريق الاجنبى الكثير من المصريين نكاية فى الاول ولا عزاء للوطنية!

صدقاً لا أعلم من أين أبدأ ولا كيف أنتهى فما تقرأه ليس بكلمات بل هى صرخات مكتوبة!
لماذا لا نقف للحظة وننظر للحال الذى وصلنا له ونبكى جميعاً؟ ألابد أن تصل مسيرة الشهداء إلى بيتك وينضم لها أحد افراده حتى تبدء البكاء؟
فى هذا الوطن الجميع معرضون للشهادة حتى أبنك الرضيع قد يقتله أهمال طبيب عندما تصيبه حمى الاطفال، وأبنتك قد يقتلها معلمها وهى تقاوم محاولته لاغتصابها، وزوجتك قد يصدمها شاب طائش ويسرع بعربته هارباً، وامك العجوز قد يخنقها كم التلوث الذى تتنفسه بل قد تموت من الحسرة! هل تعرف شعور الموت من الحسرة؟ إنه كوضعك القلب فى إناء من حمض الكبريتيك ..

كفانا خداع وحديث عن المستقبل المشرق الذى ينتظره الجميع، كفى مسكنات تزيد الوضع سوءاً وتخدر جسد الوطن، هذا وطن ينهار بأنهيار كل فرد فيه!
مصر يا سادة هى رسالة الله لنا التى كفرنا بها جميعاً!
كفرنا بها وبصقنا عليها ثم شمر الرجال منا وبال فى نيلها غير أبه ..
لا يوجد كلمات مناسبة قد تصف مدى سوء الحال، إنهم يقتلونك بأسم الله والوطن، نعم يسمون الله ويحيون الوطن بينما يمر سكينهم هاتكاً طبقات جلدك وهاتكاً لعرض الوطن الذى يتمثل فى أستباحة دماء أولاده ..
الجميع يصرخ بها "الدم المصرى غالى" ، بل رخيص!
تعلموا أنه رخيص، الدم ينساب عبر شرايين الشهداء على أرض لن تتحرر، على أرض لن يجدوا بها ضمة حنون ويشعروا بدفئها إلا وترابها ينهال عليهم فى مقابر الصدقة، الدم يُسرق من أطفال الشوارع لسد حاجة أثرياء العواجيز، الدم يبيعه غير القادرين بعد أن لا يجدوا أعضاء متبقية للبيع، الدم رخيص للغاية!!

يقتلونك ويكبرون الله قولاً بينما تهتف افئدتهم مكبرة السلطة، كل المحرمات صارت تفعل بأسم الله، تسحق عظام الفقراء بأسم الله، تُشترى الاصوات بأسم الله ونصرة له، والشعب المتدين بطبعه وبالرغم من أن الاسلام نهى عن التنابذ بالالقاب إلا أن أحداً لا يستحى أن يسخر من خصمه وشكله، الجميع يتبادلون السباب فى كل مكان بدءاً من الشارع إلى شاشات الفضائيات، والشعب الذى اشتهر بالشهامة صارت كل فرقة فيه تنشر للعالم صور قتلاها وتصرخ "أنظروا كم هم قساة أعدائنا؟"

صار الرجال بحاجة لزجاجة بيريل فارغة يضعونها على اقرب طاولة لباب البيت اثباتاً للرجولة، ولزبيبة صلاة كبيرة اثباتاً للتدين!
إنه عصر المظاهر، عصر يغير فيه الناس لون أعينهم وتركيبة جسدهم، حتى الازياء صارت غريبة، فى الماضى كان للرجال زى مميز والامر كذلك بالنسبة للنساء، الان ترى المساواة فى أجل صورها!
لعلها تقاليد غربية قلدناها راضيين ..
أنا لم انس أن بالغرب بشر هم وراء شىء ليس بالقليل مما يحدث هنا، وليس عليك إلا الذهاب إلى أحد الاماكن السياحية لتعلم كيف هى نظرة المصريين للغرب ..
فماذا نقل لهم الغرب من ثقافته؟
ماذا فعل الغرب المتقدم لدول العالم الثالث؟
فقط قدم لهم بعض الخطابات السياسية لساسة قتلوا شعوب وجيوش، وبعض المعونات التى لطالما ساندت النظم التى أستعبدت شعوبها، وعلى الصعيد الثقافى قدم لهم الأفلام الإباحية وأفلام أخرى تتحدث عن القتلة ومروجى المخدرات ..
صار الغرب فى أعين شعوب العالم الثالث ليس إلا مجموعة من القتلة والساسة الفاسدين ومروجى المخدرات والعاهرات!

أما عن الماضى فتناول التاريخ عند المصريين هو أمر يدعو للعجب حقاً!
إنهم يقرأونه ويتعجبون منه ثم يستنكرونه وبعدها يعيدونه نصاً ثم يتعجبوا ثانية ويقول أحدهم فى بلاهة "سبحان الله، شوف يا أخى التاريخ بيعيد نفسه إزاى!"

أعلم أن الكلمات صارت لا تجدى، إنها فقط دعوة للتوقف والتأمل ثم البكاء والتضرع إلى الخالق الذى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!


***