الاثنين، 13 فبراير 2017

تسجيل نادر - قصة قصيرة



ربت صديقه على كتفه محاولاً طمأنته قائلاً: ياعم انت مكبر الموضوع ليه؟ يعنى هى الناس بتركز اوى فى اللى بتسمعه!
فصرخ: ماهى دى المشكلة، ده اكل عيش والمهم فى الموضوع إن الناس تسمع!
فرد صديقه فى ضيق: وأديك عملت اللى عليك وجبت احسن جهاز تسجيل، وجبتك فى الاوضة الهادية اللى بتدور عليها، لعلع بقى!
تذكر هو الطريق المؤدى لهذا الموقف، اصدقائه الذين بدءوا امر التسجيل بتلك الطريقة والخير الذى عم عليهم فضلاً عن راحة احبالهم الصوتية ومنذ ذلك الحين والجميع يفعلها ..
اخذ نفس عميق ثم صرخ فى المسجل بكل قوته: أى حاجة هنا بجنية، كله بجنية، اى حاجة على الفرشة بجنية!!

الأحد، 24 يناير 2016

بين الحياة والموت - قصة قصيرة



جحظت عيناه من الخوف وهو يتخطى بوابة المشفى ويديه تتشكلان كعصاً تستند عليها، يده المرتعشة ويدها بارزة العروق!
ببطء كانت سمة خطواتهم، ربما هو اعتاد الاسراع فى المشى ولكنها لم تكن لتجاريه وهى فى أحسن حالتها فما بالك بتلك الحالة!
وبالرغم من اختلاف موسيقى ضربات قلوبهم إلا أن شىء ما جمعها، قلبه الذى تتسارع دقاته خوفاً وقلبها الذى تتباطىء دقاته مرضاً!
تتعثر خطواته وهو يتركها ليسأل عن الاستقبال ويتلعثم لسانه كلما أراد السؤال ثم يعود إليها ويكملا الطريق ..

____

بدا كنقطة بيضاء صغيرة أمام ذلك الكيان العظيم الذى اكتسى بالسواد، يرتدى ملابس بيضاء تتسم بالزهد والبساطة، تستر جسده ولكنها تركت ذراعيه عاريين ولكن الدفء الذى يشعه ذلك الكيان غمره، انثنت قدماه تحته وهو جالس ينظر إليها فى خشوع، الكعبة!
إنها اكبر كثيراً مما تبدو فى الصور والتلفاز، كانت رأسه قد خلت من الشعر وقد حلق ذقنه وشاربه بعناية فبدا وكأنه طفل وليد وكطفل وليد لم تخلو عيناه من الدموع ..

____

أوقد مصباح الغرفة الصغيرة الذى حولها لمعمل طبى وجلس واضعاً رأسه بين يديه ثم رفعها وداعب لحيته الطويلة، كانت لحيته تميل للصفرة تماماً كما شعره ولون وجهه ولعل الفضل فى لون الشعر واللحية يعود لوالدته، وربما صفرة وجهه ايضاً!
"أن تكون طبيباً وتفشل فى معالجة من تحب وتفقده وترى لحظة رحيله امام عينيك بكل عجز"
دارت العبارة فى رأسه وبعدها سقطت على الطاولة ثم رفعها وكرر الأمر على صدى صوت بكاءه!
____

زوار الفجر دائماً ما يكونوا على عجلة، رجال أمن يقتحمون منزلاً وفى لحظات تفقد عائلة أحد أفرادها لسنين وربما للأبد، ملك موت يقبض روحك أثناء نومك ويستيقظ من حولك فى الصباح ليجدوك جسد غادرته الروح، وهما كانا من زوار الفجر!
دلفا لغرفة الاستقبال ومرت دقائق بدت وكأنها دهر بأكلمه حتى ظهر طبيب الإمتياز المُجبر على التواجد فى ذلك الجو قارص البرودة ليلعب دور جنية الأحلام التى ستحقق لمرافقى المرضى أمنياتهم فى شفاء ذويهم

____

أن تجلس على مقربة من الكعبة أمر وارد الحدوث أما أن تجلس مثله وحدك امامها فهو حدث غريب!
لم يتغير وضعه منذ ساعات قدماه تنثيان تحته ويديه ترتفعان أمام وجهه ولكنها لا تحجب عن عيناه الكعبة لأنها كانت تستحوذ على مدى بصره بأكمله ..
يتعاقب الليل والنهار وهو ثابت على هذا الوضع وكأنه خارج الزمن، أن ترى شروق الشمس وانتشار أشعتها الاولى لتغمر الكعبة وتغمر وجهك معها وكأن الشمس جعلت من اشعتها يد تجفف بها دموعك، الأمر بأكمله يؤكد أن هناك معجزة ما على وشك الحدوث!!

____

إنه يحاول! جميعهم يحاولون، هو وأصدقاء دراسته واساتذته، الجميع يحاول الوصول لعلاج يُرغم ذلك القلب الذى تتباطىء خطواته على النهوض والركض مرة اخرى، كل ما فعله فى تلك الليلة هو مراقبة قلبها وهو يبطىء شيئاً فشيئاً حتى توقف!
أصوات دقات قلب سمعها وهو مُكبل بأغلال من العجز، جلَّ ما يريده الآن الا يتكرر الامر، لا يريد لغيره من البشر المرور بذلك الاحساس، ذلك الإحساس الذى لا يعلم أحد مقدار مرارته سواه!

____

أن تبحث عن علاج فى مستشفى حكومى هى تجربة مؤكد ستفكر كثيراَ قبل أن تكررها، فى المستشفى الحكومى لا يوجد مجال للخصوصية، إنها كخيمة واحدة لعلاج ضحايا الحرب فربما وأنت تحدث الطبيب ستجد رجل عجوز يقترب منه ويكشف عن مؤخرته ليدس الطبيب حقنة قاتلة للألم بها وعندما يلاحظ توقفك عن الحديث يهتف بروتينية: أكمل!
ولهذا كانت يداه مازالت متمسكة بيدها ..

____

"رباه!" قالها باكياً ولعلها الكلمة الوحيدة التى يتحرك لها لسانه وشفتاه بين الأسبوع والآخر، اما قلبه فهو لم يصمت عن الدعاء منذ شهور ..
تفتح الكعبة أبوابها وربما السماء معها فيقف اخيراً ويتجه بخطى مرتعشة وقلب ثابت، ثم يُغلق الباب خلفه!

____

لحظات من الصمت انتابته، الأصوات تتداخل فى عقله وهو ينصت فحسب، لعله طرح على عقله سؤال او اثنين ولكن فى النهاية توقف امام الحقيقة التى يريدها ..
نحن لا نحيى المرضى، إن حانت ساعة الموت فالطب سيقف عاجزاً امامها بعلماءه وادويته واطبائه الماهرين، ولكن الهدف ..
الهدف أن تعيش ما تبقى لك من الوقت دون ألم، الهدف هو القضاء على الألم!

____

لم يكد الطبيب الشاب يضع سماعته ليستمع إلى دقات قلبها المريض حتى وجده قد بالغ فى التباطىء بالفعل، وربما كاد يقف! غابت هى عن الوعى تماماً كما غاب جهاز المرافق العصبى وهو ينظر للطبيب الشاب فى استعطاف وكل شىء به يصرخ: إفعل شيئاً!
واخيراً تحرك الطبيب ..

____

يكبّر، يتردد صوته العذب داخل جدران الكعبة
يركع، تتساقط دموع الشوق والفرح الصادقة
يسجد، يعلو صوته بالدعاء لكل أهل الأرض

ربما جال بخاطره أفكار كثيرة عن الكعبة، البشر يقدرون الأماكن والبنايات والرموز ..
انظر حولك، بدءاً من الاهرامات لسور الصين العظيم للبيت الأبيض!
البناء لا يضر ولا ينفع، إنه مجرد رمز ولإننا نعشق الرموز كأحد اهم مفاتيحنا للولوج لعالم الروحانيات وضع الله لنا فى الارض بيتاً نزوره لندعوه ويملؤنا ثقة لا حدود لها انه لن يرد دعائنا، لأن هذا هو ما اخترنا أن نؤمن به!
ولهذا حين سار مبتعداً وبدأ يلاحظ البشر والزحام الشديد الذى لم يحس به طيلة مدة بدت وكأنها أقل من أقل وحدة لحساب الوقت كان الشىء الوحيد الذى يثق به هو أن الله لن يخذله ولم تكن مجرد ثقة، كانت أكثر من يقين!

____

تمر الايام والشهور عليه وهو بذات المعمل لا يكاد يخرج منه إلا لزيارة كيميائى أو صيدلى او زميل دراسة، يعلم أن قدرات زمنه تحجم رغبته فى البحث، يعلم أنه لن ينجز العمل بمفرده لذا أيقن أن عليه فقط وضع الأساس وبقليل من الثقة فى الأجيال القادمة سيتم الأمر ..
وقد كان!

____


يعود الطبيب الشاب بأنفاس متلاحقة ويجهز الحقنة ثم يدسها فى أحد أوردتها، ينظر لجهاز قياس ضربات القلب الذى وصلته بها الممرضة للتو فيصرخ بالممرضة مشيراً إلى جهاز آخر: اتشحن؟
تهز رأسها موافقة فيمسك بالجهاز وهنا يضطر المرافق لترك يدها فيصدمها الطبيب الصدمة الاولى ومن حسن الحظ أنه لم يكن بحاجة لصدمة أخرى فالمرافق لم يكن ليحتمل رؤيتها تنتفض هكذا ثانية!
أخيراً استقر المؤشر وأجُبر ذلك القلب المتباطىء على العودة للعمل، ولم تمض ساعات حتى رحل زوار الفجر قبل ان ينطلق أذان الظهر

كان صوت الراديو يتردد من كشك الحراسة بالمستشفى ..

"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" والآن مع فاصل من الادعية والابتهالات بصوت الشيخ سيد النقشبندى

كان المرافق لايزال يؤدى دور العصا ولكنه نظر للسماء فى امتنان، ولم ينس أن يشكر الطبيب بشدة!
أما الطبيب ففى قرارة نفسه كان يقول لعل ذلك الشكر يستحقه رجل اشتهر بلحيته الصفراء ووجهه الشاحب، لعله يكون قد استراح الآن!

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

لا أحد يصطاد فى غابة البشر - مقال

3 ديسمبر 2013
ثلاث دقائق بعد منتصف الليل

أنا أحتضر ..
لا أعلم إن كان هذا من طقوس الإحتضار ولكننى أشعر أن هناك أشواك بعقلى!
هل سبق أن أحسست أن هناك أشواك تنمو مخترقة عقلك؟ حسناً إنه شعور مؤلم للغاية!
اليوم أدركت أن كل الاشياء قد تُدرج تحت قائمة "علم لا ينفع وجهل لا يضر" هذا لو أردنا نحن ذلك!
مخزونى من الصودا على وشك النفاذ!
هل سبق أن أحسست أن هناك أشواك ..
اللعنة على نوبات الصداع!

***

4 يناير 2013
الشيطان الآن يمارس طقوس العقد الثلاثة على النائمين وربما المستيقظين أيضاً!

أحب اغنية يقول مقطع منها ..
Because they took your loved ones
But returned them in exchange for you
But would you have it any other way?
You couldn't have it any other way!

أسمعها الآن تحديداً، هذا مقطع مؤثر للغاية!
أه بالمناسبة، متى كانت أخر مرة أحسست فيها بالشبع التام؟
إنه شعور سىء، عليك أن تكون جائعاً دائماً لتستمر اللعبة!
يمكننى الآن أن أتفهم من أين يأتى الأثرياء بكل هذا البرود ..

***

5 يناير 2013
إنه النهار الآن فى الجانب الآخر من الكرة الارضية

تخيلى الكارتونى لنظرة الملحدين كما يُطلق عليهم أو يطلقون على أنفسهم لأصل الإنسان تجعلنى أرى مشهد لإنسان يركض عارياً وذيله يتطاير خلفه والكرة الارضية تدور من تحته بينما يصرخ هو: جئنا من الطبيعة!
ثم يسقط ميتاً ويمر بذلك النفق المظلم الذى تجد فى آخره نور ساطع ولكن لا ينتهى الامر هكذا فقد تعيده الطبيعة فى شكل قطة مثلاً، وحينها سنجده يصرخ: عدت لكم ولى سبع أرواح هذه المرة!

"مواء شرير متقطع"

***


6 يناير 2013
تماماً فى الوقت الذى تعوى فيه الرياح بالخارج حاملة معها ما خف حمله من القمامة لتنقلها من مقلب لأخر

أثناء عزلتنا نفكر فى الأصدقاء وفى شخص نبادله الحب ونتمنى هذا بشدة كضوء ساطع يخرجنا من الغرفة المظلمة وصوت ضحكات يعلو على الموسيقى الحزينة ودقات قلب سريعة بدلاً من تلك الهادئة المملة، ولكن حين يتحقق لنا كل هذا نجد أننا أخذنا أقل كثيراً مما نتمنى وأن العزلة كانت أفضل، وحينها نتمرد ..

 ***

7 يناير 2013
قد أكون الآن إسقاط فى أحلام النائمين، ربما يرانى بعضهم رمز للخير فى حلم متفائل ويرانى البعض الآخر رمز للشر فى كابوس مفزع .. C'est La Vie

علاقة البشر بالدين والدنيا من الأشياء التى تستحق التوقف عندها كثيراً!
ما أغرب فصيل واحد منه من وصل لدرجة عبادة الحيوانات والأجرام السماوية ومنه من يرفض فكرة وجود إله من الاساس ومنهم من يأله نفسه ويقول هل علمت لكم من إله غيرى؟ أمر غريب بحق!

جميعنا نعلم أن أهم متطلبات الدين هو الزهد فى الدنيا ولكن كل منا يظن نفسه العبقرى الذى سيحقق المعادلة المستحيلة بالجمع بين كلاهما وفى أثناء المحاولة نسقط أمواتاً عالقين بين السماء والارض، بين الدين والدنيا، بين الزيف والحقيقة ..
   
***
14 يناير 2013
ترى كم من بشرى يعذب الان؟ كم تحوى جدران السجون من أرواح مظلومة ومعذبة؟ كم قدم لبشرى تطأ رأس بشرى أخر؟

المرضى النفسيين أو المجانين الممسوسين كما كانوا يطلقون عليهم فى العصور الوسطى ويحبسونهم فى الاقفاص بينما يشاهدهم العامة كما لو كانوا حيوانات من فصيلة جديدة أكتُشفت للتو نالوا قسطاً وافر من التعذيب وإمتهان الكرامة، ولكن أنظر إليهم الآن! إنهم يحكمون العالم!
من الأقفاص الصدأة إلى كل قصر ملكى وجمهورى فى العالم، لقد حجزوا كل المقاعد الأمامية وبعد أن تمت لهم السيطرة الكاملة قادوا البشرية نحو حروب مدمرة أتت على كل شىء، إنه الانتقام!
ينتقمون لأجل الايام الخوالى، أعنى أنظر إلى الحروب العالمية!
جواسيس، أسلحة مدمرة، مدن تُمحَى بأكلمها ..
أليس كل هذا أختلال نفسى وعقلى؟

***

30 يناير 2013
إنها أمسية أخرى مناسبة لإحضار المسليات وزجاجة من الصودا ومشاهدة العالم يحترق فى تلذذ

كإنسان أستطيع أن أخبرك أن هناك خطأ ما، بل وأستطيع أن أخبرك إننا جميعاً نشعر بهذا ولكننا لا نتحدث عنه، نحن لا نتحدث عن العديد من الأشياء فى الحقيقة ولعل الأشياء التى لا نتحدث عنها هى الأكثر أهمية!
على أى حال جميعنا نعلم أن البشرية تسير فى الاتجاه الخاطىء منذ زمن، الجميع يعلم هذا ولكنهم لا يتحدثون عنه، أنت تقف فى طابور طويل للغاية ولا يمكنك الخروج منه، مجرد خروجك عن النظام يعنى إقتناصك وبأبشع شكل ممكن!
أنظر لحال البشر، أنظر بعين الزمان لتلك الكائنات المسكينة التى تركض منزعجة فى كل مكان من الكوكب ..
فى يوماً ما مضى لم نكن هكذا، لم نكن تلك الكائنات الكسولة الواهنة!
إليك ما حدث ..
وضعنا الحيوانات فى أقفاص وصرنا نلقى لهم الطعام متجاهلين كل قوانين الطبيعة الصارمة، وإن أردت معرفة حجم الضرر يمكنك مشاهدة أسد يصطاد فريسته ويأكلها وأسد أخر يلتهم قطعة لحم فى قفص ألقاها له الحرس بروتينية!
وتماماً كما فعلنا بالحيوانات فعلنا بأنفسنا ولكننا كنا أسخياء للغاية فى هذا ..
أنت فرد من مليارات البشر يقفون فى طابور طويل أمام مطعم ما يعد لك الطعام جاهزاً لتأكله وتنصرف بل وربما تتذمر لو تأخر النادل قليلاً، أرجوك لا تحاول إخبارى أنك تسير على الخط الصحيح!
مقارنة برجل إصطاد ولو طائر صغير وأعده لنفسه فى حفلة شواء فردية أو رجل غرس بذرة فى الارض وأكل حصادها فأنت لست سوى آلة تزودت بالوقود لتكمل مهمتها!
لقد خدعنا، أقسم لكم أننا خدعنا!
جذبتنا التكنولوجيا والأضواء كما الذباب حتى صعقتنا الكهرباء فى فخ محكم للغاية!
المحميات الطبيعية ليست سوى أقفاص كبيرة وكما برعنا فى صناعة القفص المناسب لكل حيوان صنعنا لأنفسنا قفص يناسبنا، قفص يتناسب مع الطبيعة البشرية المتمردة التى لن تقبل أن ترى القضبان وتصمت لذلك صنعنا قفص لا يرى بالعين المجردة ونصّب بعضنا أنفسهم حراساً على هذا القفص الكبير ..
نلهث خلف التكنولوجيا ونكاد نموت لو غابت عنا الكهرباء يوماً، تخلينا بملىء إرادتنا عن جزء من أرواحنا ووضعناه فى ومضات كهربية تسير عبر الأسلاك فى آلات مختلفة الأحجام والأشكال والوظائف!
إذاً فقد دمرنا الغاية التى صنعتها الطبيعة لنفسها وفوق جثتها الخضراء بنينا غابة بشرية حُرِمَ فيها الصيد اللهم إلا بعض الحيوانات المسكينة ذات الفرو الكثيف الذى تعلقه الحمقاوات على اكتافهن، ولكن هذا ليس كل شىء!
حتى وأنت داخل القفص لم يتركوك وشأنك، أنظر إليك وأنت تشاهد فيلماً وتتأثر للغاية مع بطله، تتألم حين يتألم وتبكى حين يبكى، تضحك معه وتحب عشيقته وربما تُرسل لها قبلة فى الهواء حين يقبلها على سبيل المشاركة!
إنه واقع بديل تحياه، لعبوا على نقطة ضعفنا يا صديقى، التأثر!
وكما شاهدت ستتعلم وتنفذ ..
يقول أحمد خالد توفيق ..
"ليتنا أنا وأنتِ جئنا العالم قبل اختراع التلفزيون والسينما لنعرف هل هذا حب حقاً أم أننا نتقمص ما نراه "

إنها كارثة حقيقية، ويمكنك أن تبحث أكثر وتعدّ كم الاطفال الذين ماتوا أو ربما قتلوا حين قفزوا بملىء إرادتهم عبر الشبابيك ظناً منهم أنهم يتمتعون بقوى خارقة عقب مشاهدة فيلم ما عن بطل خارق!
ويمكنك أن تبحث عن الاشخاص الذين تعلقوا بممثل أو مغنية وصاروا يطاردوهم ومنهم من غير شكله ليصبح مشابه لهذا أو لتلك ..
كيف يرضى الانسان أن يكون صورة؟ أن يكون مجرد مسخ ونسخة من أصل؟
مهلاً .. أليست ما يسمونها عمليات التجميل فى حد ذاتها أمر غريب؟
أمر غريب أن تغير من شكلك ولون عينيك وتفاصيل جسدك!
متى أصبح الانسان رسمة تُعدل وتُجمل؟
كما تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس ندور نحن حول أنفسنا وحول الأرض وحين يصيبنا الدوار نجلس فى مسرح كبير لنشاهد فقرة الساحر فنشاهد ونصفق بحماس، وبالرغم أن الجميع يعلم أن هناك خدعة ما وأن هذا المسرح ليس إلا واجهة أما أسفله وعلى أطرافه تكمن ملايين الخدع إلا أن التصفيق يزداد عندما ينحنى الساحر معلناً نهاية الفقرة ونجاح الخدعة، ينحنى لمن خدعهم للتو فقط لتنجح الخدعة تماماً ولكن حين يعتدل وترى وجهه سيصيبك الذهول لأنك حينها لن ترى سوى نفسك!

***

3 ديسمبر 2013
ثلاث دقائق بعد منتصف الليل

أنا أحتضر ..

الأربعاء، 6 فبراير 2013

بشر - مقال

الكائنات البشرية هبطت على الأرض منذ ألاف السنين ..
الأرض كوكب هادىء نسبياً مقارنة بشركائه فى المجموعة الشمسية وكبقية الكائنات الحية تطور البشر، فمن بشرى يرتدى بالكاد ما يستر عورته إلى ثرى إنجليزى يرتدى بدلة يكفى ثمنها لسد عجز أسرة ريفية تسكن حدود لندن ، ولم ينس القبعة السوداء والعصا المذهبة ..
ثم عادوا للعرى ثانية بإرادتهم طارحين أثواب القماش جانباً بينما التصق بأجسادهم أثواب الزيف والخداع والتملق ..

لعل هذه كانت البداية لنهاية ما قادمة لا نعرفها بعد، الحقيقة أن الجنس البشرى لم تعجبه فكرة العيش فى جماعات كثيراً فصاروا يقسّمون انفسهم على مضض، دول كبيرة ودول صغيرة ودويلات وداخل كل كيان من هذه الكيانات يوجد كيانات أصغر، محافظات وولايات وقبائل وعشائر بل وصاروا يقسمون أنفسهم تبعاً لإنتمائتهم سواء إلى جماعات علنية أو سرية عادة ما تكون ذات طابع سياسى أو دينى وربما يكون إنتماء الفرد لها اكبر من إنتماءه لبلده، وعلى أى حال كلما صغرت الجماعة كلما راقت للبشر وصاروا اكثر إنتماءاً وحرصاً عليها ثم صاروا يرفضون الاخر، أى أخر خارج  الجماعة، يتمنى كل منهم لو كان الكون له وحده!
ولو تكلمنا عن كل شعب أو قبيلة من البشر على مر التاريخ فسنجد المزايا والعيوب والعادات المختلفة، حتى الطقوس الدينية للدين الواحد تختلف من شعب لأخر، ولكل بقعة من الارض قانون مكتوب على الهواء الذى يتنفسه أهلها ..

لنكن منصفين إذاً يا سادة فأنا اكتب بالعربية وأعيش بمصر، لست فضائياً يحدثكم عن أصل جنسكم ونشأته، أنا فقط أريد أن أرى البداية عبر أعينكم ولكن بالتأكيد وكبشرى أصيل سأتحدث عن الأرض والشعب الذى انتمى إليه وليذهب أى شىء أخر للجحيم!

سأتحدث عن الشعب الرائع الذى لم تجوب البشرية بمثله، شعب خرج منه خير أجناد الارض بل هو خير شعوب الارض على الاطلاق، هو ملح الارض وشعب الله المختار ..
كفانا مجاملات، أعلم أن وجه كلاً منكم أحمرّ من الخجل والحقيقة أننا بالفعل شعب مجامل فنحن الشعب الوحيد الذى تغنى بحلاوة شمسه بالرغم من أنها تصفع رأسه طوال شهور الصيف وحين يأتى الشتاء تختبىء منه خلف السحاب!

لا يا سادة تلك التى مضت لم تكن بداية صحيحة فلو أن الفراعنة بنوا أهرامات ومعابد لتدل على عظمتهم وتقدمهم المعمارى فالجيل الحديث بنى أهرام ومعابد من الكلمات لتدل على عظمته وحان الوقت لنهدم هذه الاساطير البالية ..
هذا وطن يعانى معظم افراده فالبشرى المصرى معقد نفسياً تحاصره ظروف قاسية من كل جانب، الجميع يتلاعبون بمصيره ولا يملك من أمر نفسه شيئاً، يسرقون قوت أبناءه ثم يرتدون البذلات الفخمة ويخرجون عليه ببيانات عن حبهم للبلاد والعباد، صارت نفسيته كالثوب المهلل فما كان منه إلا أن صنع لنفسه زى انسانى فقط ليحاكى به بقية البشر، وما لا تستطيع إنجازه بالفعل يمكنك تحقيقه بالكلمات، ومن هنا ظهرت العبارات التى تتحدث عن كون الطفل المصرى اذكى طفل بالعالم، وإن كان الامر كذلك فنحن نتحدث عن طفل واحد فحسب أما بقية الاطفال هم إما يعانون المأساة التعليمية أو أطفال شوارع يدخنون السجائر من قبل سن العاشرة ويعبثون بالمارة من النساء ثم يعبثون ببعضهم البعض وبعدها يعبثوا بالوطن بأسره، أما عن الوطن فقد صار العاهرة التى يعبث بها الجميع منذ زمن!

طبقات وفئات المصريين واختلافات مذاهبهم وانتمائتهم وجماعاتهم واحزابهم كثيرة للغاية، التفرق سائد بإكتساح تستطيع أن تشم رائحته مع روائح العوادم، حتى الكرة فشلت فى جمعنا وصارت الناس تُقتل فى مبارياتها، ولو أن فريق مصرى يلاعب أخر أجنبى لشجع الفريق الاجنبى الكثير من المصريين نكاية فى الاول ولا عزاء للوطنية!

صدقاً لا أعلم من أين أبدأ ولا كيف أنتهى فما تقرأه ليس بكلمات بل هى صرخات مكتوبة!
لماذا لا نقف للحظة وننظر للحال الذى وصلنا له ونبكى جميعاً؟ ألابد أن تصل مسيرة الشهداء إلى بيتك وينضم لها أحد افراده حتى تبدء البكاء؟
فى هذا الوطن الجميع معرضون للشهادة حتى أبنك الرضيع قد يقتله أهمال طبيب عندما تصيبه حمى الاطفال، وأبنتك قد يقتلها معلمها وهى تقاوم محاولته لاغتصابها، وزوجتك قد يصدمها شاب طائش ويسرع بعربته هارباً، وامك العجوز قد يخنقها كم التلوث الذى تتنفسه بل قد تموت من الحسرة! هل تعرف شعور الموت من الحسرة؟ إنه كوضعك القلب فى إناء من حمض الكبريتيك ..

كفانا خداع وحديث عن المستقبل المشرق الذى ينتظره الجميع، كفى مسكنات تزيد الوضع سوءاً وتخدر جسد الوطن، هذا وطن ينهار بأنهيار كل فرد فيه!
مصر يا سادة هى رسالة الله لنا التى كفرنا بها جميعاً!
كفرنا بها وبصقنا عليها ثم شمر الرجال منا وبال فى نيلها غير أبه ..
لا يوجد كلمات مناسبة قد تصف مدى سوء الحال، إنهم يقتلونك بأسم الله والوطن، نعم يسمون الله ويحيون الوطن بينما يمر سكينهم هاتكاً طبقات جلدك وهاتكاً لعرض الوطن الذى يتمثل فى أستباحة دماء أولاده ..
الجميع يصرخ بها "الدم المصرى غالى" ، بل رخيص!
تعلموا أنه رخيص، الدم ينساب عبر شرايين الشهداء على أرض لن تتحرر، على أرض لن يجدوا بها ضمة حنون ويشعروا بدفئها إلا وترابها ينهال عليهم فى مقابر الصدقة، الدم يُسرق من أطفال الشوارع لسد حاجة أثرياء العواجيز، الدم يبيعه غير القادرين بعد أن لا يجدوا أعضاء متبقية للبيع، الدم رخيص للغاية!!

يقتلونك ويكبرون الله قولاً بينما تهتف افئدتهم مكبرة السلطة، كل المحرمات صارت تفعل بأسم الله، تسحق عظام الفقراء بأسم الله، تُشترى الاصوات بأسم الله ونصرة له، والشعب المتدين بطبعه وبالرغم من أن الاسلام نهى عن التنابذ بالالقاب إلا أن أحداً لا يستحى أن يسخر من خصمه وشكله، الجميع يتبادلون السباب فى كل مكان بدءاً من الشارع إلى شاشات الفضائيات، والشعب الذى اشتهر بالشهامة صارت كل فرقة فيه تنشر للعالم صور قتلاها وتصرخ "أنظروا كم هم قساة أعدائنا؟"

صار الرجال بحاجة لزجاجة بيريل فارغة يضعونها على اقرب طاولة لباب البيت اثباتاً للرجولة، ولزبيبة صلاة كبيرة اثباتاً للتدين!
إنه عصر المظاهر، عصر يغير فيه الناس لون أعينهم وتركيبة جسدهم، حتى الازياء صارت غريبة، فى الماضى كان للرجال زى مميز والامر كذلك بالنسبة للنساء، الان ترى المساواة فى أجل صورها!
لعلها تقاليد غربية قلدناها راضيين ..
أنا لم انس أن بالغرب بشر هم وراء شىء ليس بالقليل مما يحدث هنا، وليس عليك إلا الذهاب إلى أحد الاماكن السياحية لتعلم كيف هى نظرة المصريين للغرب ..
فماذا نقل لهم الغرب من ثقافته؟
ماذا فعل الغرب المتقدم لدول العالم الثالث؟
فقط قدم لهم بعض الخطابات السياسية لساسة قتلوا شعوب وجيوش، وبعض المعونات التى لطالما ساندت النظم التى أستعبدت شعوبها، وعلى الصعيد الثقافى قدم لهم الأفلام الإباحية وأفلام أخرى تتحدث عن القتلة ومروجى المخدرات ..
صار الغرب فى أعين شعوب العالم الثالث ليس إلا مجموعة من القتلة والساسة الفاسدين ومروجى المخدرات والعاهرات!

أما عن الماضى فتناول التاريخ عند المصريين هو أمر يدعو للعجب حقاً!
إنهم يقرأونه ويتعجبون منه ثم يستنكرونه وبعدها يعيدونه نصاً ثم يتعجبوا ثانية ويقول أحدهم فى بلاهة "سبحان الله، شوف يا أخى التاريخ بيعيد نفسه إزاى!"

أعلم أن الكلمات صارت لا تجدى، إنها فقط دعوة للتوقف والتأمل ثم البكاء والتضرع إلى الخالق الذى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!


***