الاثنين، 19 سبتمبر 2011

دمع إجبارى - قصة قصيرة

استلقت على الفراش فى تمام العاشرة ككل ليلة، يداها خلف رأسها وإبتسامة واسعة تملىء وجهها ..
خواطر وذكريات عديدة تجول برأسها، تفكر فى ما مضى وعندما يبلغ منها الملل اقصاه تفكر فى ما سيكون، أو بمعنى أصح فى ما تريد أن يكون ..
تلعب "ماذا لو" برأسها كغيرها من الناس فتخوض فى أحلام ما قبل النوم أو قل أحلام ما قبل الأحلام، وقبل أن يمتزج الوعى باللا وعى والإستيقاظ بالنوم والحياة بالموت، وقبل أن تختلط أحلام اليقظة بأحلام النوم لتصنع مزيجاً رائعاً يتمثل فى حلم من الأحلام التى يستيقظ الإنسان منها ليحتضن الحياة بتفاؤل وأمل، تسقط دمعة من عيناها فتضع يدها على وجهها لتجد دموع غزيرة تشق طريقها عبره، من أين أتت تلك الدموع؟
إنها لا تبكى، كل ذكرياتها سعيدة ..
لا شىء يحزنها حقاً، حتى الإبتسامة ما زالت تعلو وجهها الباكى!

يقطع صوت امها افكارها وهى تقول: موعد الدواء!
تضىء الام الغرفة فتقف هى على السرير وتقول بأسى: لماذا ابكى دون سبب يا امى؟
تضع الام قبلة حانية على جبينها وتقول وهى تمسح رأسها التى خلت من الشعر: خذى الدواء ولن تبكى ثانية !
تفتح فمها على اخره فتضع امها الدواء فتبتلعه بسرعة متبوعاً بكوب من المياة لتغطى على طعم الدواء المر بينما تقرأ الام الأعراض الجانبية للدواء والتى كُتب بها "فى بعض الحالات يوجد تأثير على القناة الدمعية للعين"
تعود للفراش فتطبع امها قبلة أخيرة على وجنتها وتغادر الغرفة مُدركة أنها ستعود للبكاء ثانية، ولكنها لن تبكى حقاً، فقط ستسيل منها بعض الدموع ..
دموع إجبارية!


***

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

السامرى - قصة قصيرة

"لقد عاد موسى، عاد موسى يا بنى إسرائيل!"

نداء يتردد فى كل مكان ..
الجميع يركضون ليروا موسى ويسمعوه ويتحدثوا إليه، البعض فرحاً بعودته والبعض الأخر يملؤه الحذر والخوف ..

-        أخبرنى يا هذا، هل حقاً عاد موسى؟
-        هذا ما يقولونه!
-        وهل ستذهب إليه؟
-        جميعنا سنذهب ولكن حسبك تلقى الأسئلة ولم تعرف عن نفسك بعد، أنا لم أرك بيننا من قبل!
-        أنا حطاب من فلسطين سمعت عن موسى وما فعله بفرعون وجنوده فجئت لأرى نبى الله!
-        خير فعلت، وماذا تعرف أيضاً عن موسى؟
-        ليس الكثير، أطمع فى أن تخبرنى أنت بعض ما لديك!
-        حسناً إذاً لنذهب لموسى وأخبرك عن رحلته مع بنى إسرائيل فى الطريق

قالها وبدء السير متبوعاً من الحطاب الغريب ثم بدء يقص عليه ما يعرفه ..

"بعد نجاة موسى وبنى إسرائيل من فرعون وجنوده أتجهوا لفلسطين، كان طريقاً طويلاً ولكن المخاطر والعقبة الحقيقية تكمن فى الفتن التى واجهوها أثناء الرحلة حيث شاهدوا قوماً يعبدون عجلاً فذهبوا لموسى يسألونه إله كهذا يعبدونه فما كان من موسى إلا أن عاتبهم فكيف يشركون بالله وقد أنقذهم للتو من فرعون؟
ثم جاء يوم الميعاد حيث ذهب موسى للقاء ربه ثلاثون ليلة -أصبحت أربعين فيما بعد- ليعلمه الله أياته فجعل أخاه هارون أميراً على بنى إسرائيل، بنى إسرائيل الذى كان هو أحدهم ..
السامرى!
كان السامرى رجلاً يظهر الإيمان والإخلاص ولكن حين تدقق النظر بعينيه تجد الخبث والنفاق، وأثناء غياب موسى أخذ السامرى الذهب الذى يحمله بنى إسرائيل بحجة تخليصهم منه وصنع عجلاً ذهبى يصدر خواراً غريب وأخبر بنى إسرائيل أنه إله موسى فتعجب الناس كيف يكون هذا هو إله موسى وقد ذهب للتحدث إليه فأخبرهم السامرى أنه نسى أن الإله هنا فصدقه بعض بنى اسرائيل وبدءوا يطوفون حول العجل الذهبى ويعبدوه من دون الله، وهنا جاء هارون محاولاً أبعادهم عن طريق الشيطان فهددوه وكادوا يقتلوه ومنذ هذا الحين والجميع ينتظر عودة موسى"

وصل الرجلان لساحة كبيرة تجمع بها الناس وسمعوا عجوز يقول بصوت واهن: لقد أخبر الله موسى بما فعل السامرى فرمى الألواح التى يكتب فيها أيات الله غضباً له وعاد

ثم ساد الصمت فجأة وسمع الجميع موسى يقول بلهجة عتاب: أطالت فترة غيابى أم أردتم غضب الله؟
سرت همهمة بين الناس وقال شاب هامساً لجاره: لقد عاتب موسى أخاه هارون ودافع هارون عن نفسه قائلاً "هددونى وكادوا يقتلونى وخفت أن تقول فرقت بنى إسرائيل"
علا الصمت ثانية حتى ظهر هو ..
السامرى، يسير مطأطأ الرأس ويخشى النظر لوجه موسى، وبدء الجميع بصب جام غضبهم عليه حتى أشار موسى بيده فعادوا للصمت ..
سأل موسى السامرى عن فعلته فأخبره إنه رأى جبريل أثناء هربهم من فرعون وأخذ شيئاً من أثر فرسه وألقاه على العجل ليصدر ذلك الخوار ..
إحمر وجه موسى وقال غاضباً: إذهب، لا نريدك! لا تمس ولا تُمس! جزائك عند الله!
والتفت لبنى إسرائيل قائلاً: يا بنى إسرائيل، يا من عبدتم عجلاً من ذهب دون الله، إن عقاب الأثمين من الله هو أن تقتلوا بعضكم بعضاً حتى يتوب عليكم ويطهركم من ذنبكم!
سرت همهمة بينهم وأبتعد الجميع عن الذين طافوا حول العجل فبدء كل منهم بالنظر للأخر وفجأة أشهر كل منهم سلاحه ليضعه فى قلب الأخر، وسقطوا جميعاً!
ثم أمر موسى بصهر العجل وألقاؤه فى البحر، وأستعاد الألواح لتكون ألواح موسى هداية للناس، وليكمل الطريق مع بنى إسرائيل ويقابل فتن جديدة ..
وسار السامرى فى الأرض، يسير دون هدف وقد حلت عليه لعنة الله ..
لا يمس ولا يُمس!


***