الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

رسالة لحاضر غاب - قصة قصيرة

سيدى المرسل إليه ..
لأصدقك القول هذه هى المرة الأولى لى فى كتابة الخطابات على الإطلاق، ولو وقعت عين أحدهم على هذا الخطاب لضحك منى واتهمنى بالجنون!
نعم أرسل خطاب لك بعد أن توفاك الله، نعم أرسل خطابى الأول لك دوناً عن الأحياء لأننى أريد مخاطبتك أأأنت!
ولعلك تتساءل عن السبب، فى الحقيقة استوقفتنى جملة كتبتها ..
هى جملة بسيطة أنيقة لم تصل حتى لآخر السطر التى انتظمت عليه حروفها ولكنها أحالت ليل دنياى نهاراً فصرت فى نهار متواصل لا يعطى فرصة لنوم أو لراحة بال، دعنى أحدثك عن نفسى ..
لا يا سيدى، إياك أن تظن أننى أرسل لك هذا الخطاب لأوجع رأسك ببعض الأمور الشخصية التافهة، الأمر أكبر من هذا ولكن لنصل إليه علينا أن نبدأ من تلك النقطة الصغيرة، من حدث لن يغير أى شىء فى العالم ..
عائلة فلسطينية أخرى ترزق بمولود شاء الله أن يولد بهذه البقعة من الأرض، كنت أنا هذا الطفل وكبرت ..
كبرت وسنة تلو الأخرى وأنا أفهم وأدرك مأساوية الوضع الذى وضعتنى به الحياة فقررت أن أحافظ على حياتى، قررت أن أتكفل بذاتى فحسب وأن أحيا ..
أحيا حياة كريمة قدر المستطاع لا خلف أأسوار معتقل وحاولت قدر المستطاع أن لا ينتهي بي المطاف إلى جسد مثقوب يحمله العشيرة صارخين مكبرين وتتناقل صوره وكالات الأنباء ..
صرنا نستجدي رحمة العالم بصور الجثث!
يبدو أننى تسرعت ووصلت للمشكلة، احتملنى فهاهى الرسالة على حافة النهاية، كبرت يا سيدى ..
كبرت ولم أحمل يوماً حجراً أو قلماً، كنت إنسانا أعزل لا يرغب إلا فى الحياة وحتى عندما مات صديقى فى المعتقل وحين رأيت أهله يتسلمون جثمانه الذى طاله عفن الموت لم امسك بسلاح ما ..
بكيت، فقط بكيت!
ولكن فى اليوم التالى مسحت الدموع وسكنت القضية كل خلية فى جسدى .. كان علينا المقاومة، والمقاومة تبدأ بقلم أو بحجر وحين أخذتنى القضية وجدتنى أتابع ردود فعل ذلك العالم القاسي ..
الأمر مؤسف فلو نظرت للعالم ككل ستجد من لا يعرف بوجودك من الأساس، لذا فعليك بالنظر إلى الأخوة أصحاب اللسان الواحد والوطن الواحد والمصير الواحد، إخوة الدم والدين واللغة ..
والحقيقة أن ردود أفعالهم تباينت وكانت مخيبة حد الضحك الباكي، كلما قصفت غزة - وهى المكان الذى أعيش به بالمناسبة - تجدهم قد اجتمعوا لينددوا ويغضبوا ويلعنوا العدو، وربما فى جلسات السمر تغنوا ببعض مما كتبته أيديهم أو ربما ما كتبته أنت عن فلسطين!
أعمال أدبية تحفظ فى الأدراج وكلما حلت بنا مصيبة ما أخرجوها وأعادوها على مسامعنا، وهذا كله مقبول!
الجديد يا سيدى أن الإخوة ملوا هذا فبعضهم صاروا يهتفون كلما سمعوا استغاثاتنا داعين الله أن يقضي علينا الأعداء لينسوا همنا المحمل فى أعناقهم، صرنا كشحاذ يبالغ فى إظهار فقره وبلايا جسده بينما يتقاذفه المارة بكل قرف!
أتعلم يا سيدى، فى مرة أحسست أن الأرض نفسها تصرخ بنا اهربوا!
ابحثوا عن وطن آخر فأنا ليس بى سوى الدم، وكأنه صار لأجل
أن يضمك الوطن عليك أن تكون ملتحفاً بعلم البلاد قبلها وحينها يقبل بك ساكناً هادئاً يرقد فى سلام، هذه البلاد لا تعرف سلاماً إلا تحت طبقات رملها الذهبي ..
ها هى نهاية الخطاب قد أتت، خطاب أكتبه إليك وأنا أرتدي حزاماً ناسفاً!
أردت أن أفعلها بالطريقة القديمة فالعبوات لا تجدي أحياناً كما أن صرخة الله أكبر التي نطلقها قبل التفجير تخيفهم أكثر من الموت نفسه!
لعلك تتساءل الآن أكثر من ذى قبل أى جملة تلك التي أتساءل عنها ..
ألست أنت من قال "على هذه الارض ما يستحق الحياة" ؟
وسؤالى لك سيدى ..
ألا يوجد على هذه الأرض ما يستحق الموت لأجله؟


                                                        مواطن فلسطينى عربى
"هذا لو لم يتبرأ منا العرب بعد"


***

أعراض طفولية - قصة قصيرة

يجلس على مكتبه حائراً، كل أعراض التفكير مرسومة على وجهه، الأعين الزائغة، الفم المفغور، وفجأة ظهر أمامه عجوز أشعث يتكأ على عصا من المعدن فقال الشاب بلهجة ساخرة: هو ليه دايماً راجل عجوز؟ هى القصص مبتتغيرش أبداً؟ يلا اتفضل انصحنى ماهى نقصاك!
بدا على العجوز الاضطراب وهو يتقافز ثم همس بصوت مكتوم: الحمام! عايز اروح الحمام!
نفخ الشاب فى ملل وهو يقول: طلعتنى من جو الدراما، اتفضل أهو هناك على شمالك!
عاد الشاب للجلوس على مكتبه ولم تمض دقيقة حتى ظهر العجوز جواره فجأة فقال الشاب بلهجته الساخرة: مخضتنيش على فكرة!
أشار له العجوز بعصاه قائلاً: اصبر بقى خلينا نقول الكلمتين
أشاح الشاب برأسه وهو يقول بملل: عارفهم! قديمة!
رد العجوز متعجباً: عارف إيه؟
صاح الشاب: اللى هتقوله!
مال عليه العجوز هامساً: طب هقول إيه؟
اقترب الشاب من أذنه وهمس ببعض الكلمات فصاح العجوز: آدى اللى خدناه من الانترنت!
ثم اختفى كما ظهر، التفت الشاب لينفض بيده سحابة الدخان التى تركها العجوز مكان اختفائه فوجد فتاة تقف بجوار السرير تمثل كل ما تحمل كلمة جمال من معنى وبيدها تفاحة وما أن قضمت قطعة منها حتى سقطت على السرير مغشياً عليها فصرخ الشاب: نهار أزرق، هتجيبيلى مصيبة!
حملها واتجه ناحية شباك غرفته وألقى بها ثم نفض يديه وعاد يجلس على كرسى مكتبه فسمع صوت تحطيم خافت فاعتدل واقفاً ليرى شاباً فى حجم عقلة الإصبع قد دهسه عند جلوسه فهمس الشاب: إنت إيه اللى وداك هناك؟
ثم حمل جثته وألقاها لقطته التى مضغتها فى تلذذ، وأخيراً لمحت عيناه ما ظنه فى البداية حبلاً طويلاً يتدلى بجوار شباك غرفته ففتح الشباك ليجد أن الحبل ليس إلا شعر جارته الذهبى فأستأذن منها فى توصيلة وسمحت له وما أن أمسك بالشعر الذهبى حتى اختفى، وسقط!

"اكتب يا بنى، أعين محولة، فم وأنف فى وضع استنكار غريب، لسان مدلى خارج الفم، وعلامات بلاهة عامة تغطى وجه الضحية، اكتب كمان إن فى قصص مصورة وجدت جنب الضحية وإن سبب الحادث غالباً الانتحار"

تابع الشاب كلام ضابط المباحث فى غيظ وكان قد ارتدى زى أبيض ونبت له جناحان صغيران كما أنه كان يمسك بقيثارة ذهبية وهو يتجه للسماء!


***