سيدى المرسل إليه ..
لأصدقك القول هذه هى المرة
الأولى لى فى كتابة الخطابات على الإطلاق، ولو وقعت عين أحدهم على هذا الخطاب لضحك
منى واتهمنى بالجنون!
نعم أرسل خطاب لك بعد أن توفاك
الله، نعم أرسل خطابى الأول لك دوناً عن الأحياء لأننى أريد مخاطبتك أنت!
ولعلك تتساءل عن السبب، فى
الحقيقة استوقفتنى جملة كتبتها ..
هى جملة بسيطة أنيقة لم تصل حتى
لآخر السطر التى انتظمت عليه حروفها ولكنها أحالت ليل دنياى نهاراً فصرت فى نهار
متواصل لا يعطى فرصة لنوم أو لراحة بال، دعنى أحدثك عن نفسى ..
لا يا سيدى، إياك أن تظن أننى
أرسل لك هذا الخطاب لأوجع رأسك ببعض الأمور الشخصية التافهة، الأمر أكبر من هذا
ولكن لنصل إليه علينا أن نبدأ من تلك النقطة الصغيرة، من حدث لن يغير أى شىء فى
العالم ..
عائلة فلسطينية أخرى ترزق
بمولود شاء الله أن يولد بهذه البقعة من الأرض، كنت أنا هذا الطفل وكبرت ..
كبرت وسنة تلو الأخرى وأنا أفهم
وأدرك مأساوية الوضع الذى وضعتنى به الحياة فقررت أن أحافظ على حياتى، قررت أن
أتكفل بذاتى فحسب وأن أحيا ..
أحيا حياة كريمة قدر المستطاع
لا خلف أسوار معتقل وحاولت قدر
المستطاع أن لا ينتهي بي المطاف إلى جسد مثقوب يحمله العشيرة صارخين مكبرين
وتتناقل صوره وكالات الأنباء ..
صرنا نستجدي رحمة العالم بصور
الجثث!
يبدو أننى تسرعت ووصلت للمشكلة،
احتملنى فهاهى الرسالة على حافة النهاية، كبرت يا سيدى ..
كبرت ولم أحمل يوماً حجراً أو
قلماً، كنت إنسانا أعزل لا يرغب إلا فى الحياة وحتى عندما مات صديقى فى المعتقل
وحين رأيت أهله يتسلمون جثمانه الذى طاله عفن الموت لم امسك بسلاح ما ..
بكيت، فقط بكيت!
ولكن فى اليوم التالى مسحت
الدموع وسكنت القضية كل خلية فى جسدى .. كان علينا المقاومة، والمقاومة تبدأ بقلم
أو بحجر وحين أخذتنى القضية وجدتنى أتابع ردود فعل ذلك العالم القاسي ..
الأمر مؤسف فلو نظرت للعالم ككل
ستجد من لا يعرف بوجودك من الأساس، لذا فعليك بالنظر إلى الأخوة أصحاب اللسان الواحد
والوطن الواحد والمصير الواحد، إخوة الدم والدين واللغة ..
والحقيقة أن ردود أفعالهم تباينت
وكانت مخيبة حد الضحك الباكي، كلما قصفت غزة - وهى المكان الذى أعيش به بالمناسبة -
تجدهم قد اجتمعوا لينددوا ويغضبوا ويلعنوا العدو، وربما فى جلسات السمر تغنوا ببعض
مما كتبته أيديهم أو ربما ما كتبته أنت عن فلسطين!
أعمال أدبية تحفظ فى الأدراج
وكلما حلت بنا مصيبة ما أخرجوها وأعادوها على مسامعنا، وهذا كله مقبول!
الجديد يا سيدى أن الإخوة ملوا
هذا فبعضهم صاروا يهتفون كلما سمعوا استغاثاتنا داعين الله أن يقضي علينا الأعداء
لينسوا همنا المحمل فى أعناقهم، صرنا كشحاذ يبالغ فى إظهار فقره وبلايا جسده بينما
يتقاذفه المارة بكل قرف!
أتعلم يا سيدى، فى مرة أحسست أن
الأرض نفسها تصرخ بنا اهربوا!
ابحثوا عن وطن آخر فأنا ليس بى
سوى الدم، وكأنه صار لأجل
أن يضمك الوطن عليك أن تكون ملتحفاً بعلم البلاد قبلها وحينها يقبل بك ساكناً هادئاً يرقد فى سلام، هذه البلاد لا تعرف سلاماً إلا تحت طبقات رملها الذهبي ..
أن يضمك الوطن عليك أن تكون ملتحفاً بعلم البلاد قبلها وحينها يقبل بك ساكناً هادئاً يرقد فى سلام، هذه البلاد لا تعرف سلاماً إلا تحت طبقات رملها الذهبي ..
ها هى نهاية الخطاب قد أتت،
خطاب أكتبه إليك وأنا أرتدي حزاماً ناسفاً!
أردت أن أفعلها بالطريقة
القديمة فالعبوات لا تجدي أحياناً كما أن صرخة الله أكبر التي نطلقها قبل التفجير
تخيفهم أكثر من الموت نفسه!
لعلك تتساءل الآن أكثر من ذى
قبل أى جملة تلك التي أتساءل عنها ..
ألست أنت من قال "على هذه الارض
ما يستحق الحياة" ؟
وسؤالى لك سيدى ..
ألا يوجد على هذه الأرض ما
يستحق الموت لأجله؟
مواطن فلسطينى عربى
"هذا لو لم يتبرأ
منا العرب بعد"
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق