ربما يعرف البعض ماهية فصيلة
دمه ويجهلها البعض الأخر، فى الحالتين معرفة فصيلة دمك لن تصنع فارقاً كبيراً فى
حياتك ولكن الامر مختلف بالنسبة لىّ، فيوم علمت فصيلة دمى يوم تغيرت حياتى تماماً!
كنت كأى طفل فى العاشرة، العب
والهو، اذهب للمدرسة وانتمى لجماعة من الاصدقاء، اعيش حياة عادية ..
فى أحد ايام الصيف كنت العب
الكرة مع بعض الاصدقاء وجرحت يدى، يومها كادت امى تجن وهى تضمد جرح يدى، ذلك اليوم
اتذكره وكأنه البارحة ..
جلست معى وحيداً وكانت تداعب
خصلات شعرى وهى تقول بجدية لم اعهدها منها من قبل: لقد صرت اكبر الأن وعليك معرفة
شىء هام للغاية!
كنت شديد التوتر وأنا استمع لها
وما أن انتهت من اخبارى بالامر حتى تضاعف توترى مئات المرات!
تخيل أن تخبرك امك أنك تمتلك
فصيلة دماء نادرة للغاية وأنك ورثتها عنها، إذاً لهذا لم امرض قط مثل زملائى، لهذا
كانت ترفض مشاركتى فى أى تطعيم فتلك الدماء المقدسة كما اسمتها امى تمتلك مناعة وقدرة
شفائية بالغة السرعة، الغريب أنها لم تخبر ابى بالامر واكدت علىّ إننى يجب أن افعل
المثل وأن أحرص على أن يظل الامر سراً بينى وبينها وعندما سألتها عن كيفية اصابتها
بالأمراض من قبل اخبرتنى إنها كانت تدعى هذا فحسب وعلىّ فعل المثل من أن لأخر!
الأشد خطورة فى الامر إنه عند
اختلاط هذه الدماء بالدماء العادية تمنحها صفاتها فعشرة مليمترات من دمائى كفيلة
بتحويل شخص بالغ ليصبح مثلى
والبعض يعلم بامرنا!
رؤساء الدول وكبار رجال الدين ورجال
الاعمال، جميعهم يسعون خلفنا! يريدون تلك الدماء، يريدون حياة بلا أمراض!
إذاً على الحذر كما أخبرتنى امى
..
صرت ابتعد عن الجميع، هجرت كل
اصدقائى ولم يبق لى سوى صديق وحيد أعامله بحذر ولكنه يتقبل هذا، ومرت سنين ..
سنين من الحذر والقلق، سنين لم
يصيبنى فيها خدش، وبالتأكيد لم يصيبنى مرض!
عندما بلغت السابعة عشر اصيب
ابى بإلتهاب الكبد الوبائى، كنت أراه يتألم امامى وامى تكتفى بمراقبته وأعطائه
الدواء فحسب!
ودار بيننا حديث ..
- كيف تتركيه هكذا؟ أنتِ
تستطيعين إنهاء ألامه!
- إنه قدره!
- لا، لستِ أنتِ من يحدد هذا،
حقنة دماء واحدة ويصبح مثلنا ويعيش دون ألام، دون أمراض
- لا استطيع!
- سأفعلها أنا إذاً!
- لا، إنه قدره لن ادعك تفعلها!
ومات ابى ..
صارت امى اكثر حرصاً من ذى قبل
وانتقل حرصها الزائد إلىّ ..
كنت أخاف الناس فلو علموا بأمرى
لإمتصوا كل قطرة من دمائى!
فى يوم كنت ازور صديقى الوحيد
وكان مريضاً، خشت امه من إنتقال العدوى إلىّ وكانت تباعد بينى وبينه قدر الامكان، كنت
ابتسم ساخراً فحتى الطاعون لن يؤثر فىّ!
وقد لاحظ صديقى عدم اهتمامى بأمر
إنتقال العدوى، حتى إنه سألنى متعجباً: صحيح إننى لم ارك مريضاً يوماً!
فقلت فى أسف: أتذكر يوم تغيبت
عن المدرسة اسبوع؟
سعل بشدة واجاب: نعم
هتفت بحماس: حينها كنت مريض
بالبرد والحمى والسعال!
رد فى تعجب: كل هذا؟
فأكملت بحماس اكبر: كنت شديد
الأعياء وكاد المرض أن يقتلنى!
ضحك وهو يقول بصوت يقطعه
السعال: أنت غريب بحق
ابتسمت فى حسرة وأنا اتذكر ذلك
الاسبوع واردد: نعم، غريب!
فى ذلك الاسبوع منعتنى امى عن
المدرسة حتى أبتعد عنه فصرت القاه بعدها دون أن تعلم ..
إنه صديقى الوحيد، لماذا تكرهه
امى بشدة؟
ساءت حالة صديقى الصحية وحدثتنى
والدته عبر الهاتف تشكو حالته المتأخرة، ربما شىء ما اخبرها إننى بأمكانى إنقاذ
ابنها الوحيد ..
وأنا اتخذت قرارى، سأفعل شيئاً
هذه المرة!
كنت اتجه نحو الباب فوجدت امى قد
سدت علىّ الطريق، ودار بيننا حديث اخر ..
-
إلى أين؟
-
سأشترى بعض المستلزمات، عامى
الجامعى الاول على وشك البدء
-
أنت تكذب، أنت ذاهب إليه!
-
لا!
-
إنه محتال ويريد معرفة سرك
وربما يُخبره لاهله ويعلم الجميع بالامر
-
إنه ليس كذلك!
-
أنا اعرفه، كان دائم التودد لك
منذ صغرك، دائماً ما كنت أرى الشر بعينيه
-
كفى!
-
أنت لا تفهم إنهم يريدون دمائك!
-
أرجوكى كفىّ عن هذا
-
ذلك المحتال، سألقنه درساً، إنه
كذاب وغشاش و ..
قاطعتها قائلاً: إنه يحتضر!
جلست امى على اقرب كرسى لها
ووضعت يديها على رأسها وانفجرت باكية، يومها اخبرتنى إننى علىّ التحمل وأنه لا
يوجد بيدى شىء لأفعله ومنعتنى من الذهاب، وطوال يومين كنت محتجزاً بغرفتى أحاول
الهرب بشتى الطرق حتى وصلنى خبر وفاة صديقى ..
هى من اخبرنى، كنت أرى نظرة ظفر
غريبة فى عينيها وكأنها تخلصت من عدو لدود، مات صديقى الوحيد وكنت قادراً على إنقاذه
..
صرت اكثر انعزالاً عن الناس،
اخشاهم واكرههم، وبالكاد اتحدث مع امى مرة فى الأسبوع، حتى الجامعة اذهب إليها يوماً
كل فترة، اذكر من هذه الأيام القلائل يوم استوقفنى أحد أفراد حملة التبرع بالدم،
يا لسخرية الاقدار!
ظل يحدثنى عن اطفال مرضى
بالسرطان وكيف يستطيع لتر واحد من الدماء أن يعطيهم ولو فرصة للنجاة ..
الحقيقة أن عشرة مليمترات من
دمائى كفيلة بجعلهم اصحاء، عشرة مليمترات وينتهى كابوس أسرة بأسرها، عشرة مليمترات
ويولد طفل من جديد، وتركت الرجل بعد أن فقد الأمل فى مساعدتى ..
يومها عدت المنزل وبكيت حتى نمت
وعندما استيقظت وجدتنى ابكى ثانية
بدأت افكر جدياً بالإنتحار ولكن
الأيام مرت تتلوها الأسابيع والسنين ..
وفى عامى الجامعى الثالث مرضت
امى!
لم أرى امى مريضة طيلة حياتى إلا
مرات قليلة تظاهرت بالمرض حتى لا تثير شكوك ابى، ما لم تخبرنى به امى عن خصائص
الدماء إنها تفقد قدرتها العلاجية فى سن معين ويصير صاحبها أقل مناعة ضد الامراض
من البشر العاديون، وطلبت امى قليل من دمائى لتعيد الصفات المميزة لدمائها، ودار
بيننا حديث ..
حديث أخير!
-
أسف لن استطيع!
-
كيف تجرؤ؟
-
إنه قدرك!
-
أنا من منحك تلك الهبة، أنا امك!
-
إنها ليست هبة، إنها لعنة! أنت
تسميها دماء مقدسة وهى دماء ملعونة تستعبد صاحبها، كل ما وهبتنى ليس إلا لعنة وأنا
لن اردها لكِ، أنتى اليوم حرة!
-
إننى اتألم بشدة أنا لم اعتد
المرض، أرجوك بنى امك تحتضر وبيدك علاجها
-
وابى وصديقى كانا يحتضران، إنه
القدر كما اخبرتنى، لا استطيع فعل شىء حيال هذا، أنتِ حالك أفضل من حالى بكثير على
الأقل لقد تخلصتى من تلك اللعنة و .. امى؟
وماتت امى ايضاً!
صارت الشهور تعبرنى دون أن اتحدث
إلى أحد أو يتحدث إلىّ أحد، صرت نسياً منسياً لا يعلم أحد شيئاً عنى، ونفذت النقود
وصار علىّ البحث عن عمل، تنقلت كثيراً من عمل لأخر ولعنتى تلازمنى ..
فكرت بعرض الدماء للبيع على أحد
رجال الأعمال ولكننى كنت متأكد إنهم سيقتلوننى حتى يأخذوا دمائى كلها لأخر قطرة!
حتى جاء ذلك اليوم ..
اسعد أيام حياتى على الإطلاق،
كنت فى طريقى لعمل جديد وكنت أعبر الشارع الذى ظننته إتجاه واحد، ولكن الإتجاه الأخر
كان يحمل لى الكثير!
كل شىء كان مرتب ..
اصوات الشارع الصاخبة، سقوط
دفتر اوراقى، إنتباهى المشتت وتفكيرى فى العمل الجديد، سرعة قائد السيارة، كل شىء
أدى إلى سقوطى فى وسط الشارع الذى عبرته للمرة الأولى والأخيرة!
وسالت الدماء ..
دماء شديدة الإحمرار والتوهج،
دماء لم تتجلط بسرعة كأى دماء، دماء مقدسة وملعونة ..
دماء من فصيلة نادرة!
***