الاثنين، 27 يونيو 2011

أخر ورقة - قصة قصيرة

بيدان مرتعشتان أمسك قلمه وعلى تلك الورقة الوحيدة على مكتبه بدء يخط سطور لا تحمل لون الحبر بقدر ما تحمل لون اليأس ..

أنا لن اكتب ثانية، إنه قرارى النهائى والاخير، أأأأنا فقط ابلغكما بهذا، أنتِ والقلم ..
أرجوكِ لا تناقشينى، أنا لم أعد أحتمل، كل شىء أصبح سخيفاً ولا يُحتمل على الاطلاق، كل الحواجز، كل القيود ..
أين الهدف دون حرية الوصول إليه؟
الجميع يظنون أن كل شىء يدور حولهم فحسب، يظنون أن كل شىء يُكتب هو تجربة قام كاتبها بالمرور بها بالفعل، وإن كانت أبعد من ذلك يظنون أنه يُريد لها الحدوث ..
الابطال يموتون، والاصدقاء يتساقطون، قصص الحب، المشاهد العنيفة، الواقع والخيال ..
كلها أمراض ورقية، أعراض تعانى منها أمثالك ولكننى لن اكون عبء عليك بعد الان، أأألا تكفى القيود الدينية والاخلاقية والسياسية؟
إنه عبء لم أعد أحتمله وبالتأكيد لن اكتب لنفسى ..
نعم أعترف أن بعض الكتابات احطتها ببعض السرية ولكنهم بحثوا عنها وقرأوها، الكتابة أصبحت لعنة بالنسبة لى، لعنة شيطانية أصابتنى، إنه لقائى الاخير بكما دون شك! أى كلمات أخيرة؟

ومع أخر كلمة ترك القلم ومال برأسه وصب كل نظره على الورقة التى بدء الكلام يظهر عليها دون حتى أن يمسها قلم ..

لا تخدع نفسك، شخص مثلك لا يفعل الاشياء هكذا، فى كل شىء كتبته رسالة ما تريد ابلاغها لأحدهم، فى كل مرة رسالة جديدة تخفيها وسط السطور، أنت لا تستطيع الكذب علىّ، حتى القلم شعر بهذا!




بدأت الدموع تخترق عيناه لتسقط على وجهه كجرح غائر ينزف ألاف القطرات من الدماء فأمسك بالقلم وبدء الكتابة مجدداً ..

كاذبة! ما الداعى لكل هذا وأنا أعلم وأثق تمام الثقة أنهم لن يفهموا الرسالة؟

فظهر الكلام مرة أخرى بخط كبير وواضح على الورقة ..

إذاً هناك رسالة!

فكتب بخط اكبر ..

لا، لا يوجد رسالة ولا يوجد هدف، لا مزيد من القيود، لا مزيد من الاعذار بل لا مزيد من الكتابة منذ اليوم، الوداع عزيزتى، حتى أنتِ لم تفهمى الغرض من أخبارك بقرارى هذا!

كتبها والدموع تتساقط على الورق فتمتزج بالحبر تاركة أثر غريب
ثم ألقى نظرة طويلة على القلم وبكل قوته حطمه لنصفين ثم أمسك بالورقة والكلمات تصرخ به ..

لا، ارجوك لا تفعلها!

فقالها بفمه هذه المرة ..

أسف عزيزتى!

ومزق الورقة، الورقة الاخيرة!


***

قضية المعاق - قصة قصيرة

جلس شادى يسطر ورقة إمتحانه بقلق، اول مادة فى الإمتحانات دائماً ما تكون صعبة بحق، كان كل شىء يسير بنفس الروتين الذى اعتاده فى الفصل الاول حتى سمع ذلك الصياح خارج اللجنة ..
كان مراقب الدور فى مشادة كلامية مع أحد الطلاب الذى استند على عكازين ووضع عصابة على عينه اليمنى كتلك التى تراها فى أفلام القراصنة، احتدت المشادة بين الأثنين حتى دفع المراقب الطالب فى صدره فسقط أرضاً وبدء يزحف نحو اللجنة ساحباً العكازات خلفه والمراقب يصرخ به ولكنه ظل يزحف نحو اللجنة رافضاً كل عروض المساعدة التى قام بها زملائه حتى دخل اللجنة ورفع نفسه جالساً على اقرب مقعد فارغ ثم وضع العكازاين بجانبه بحرص ..
اخيراً وزعت اوراق الاسئلة وبدء الإمتحان وانهمك الجميع فى الاجابة، حتى صاح المراقب بصوت جهورى: إنتهى منتصف الوقت، من يريد الذهاب يمكنه تسليم ورقة اجابته ومغادرة اللجنة!
فأستند شهاب على عكازيه وسلم ورقته مغادراُ اللجنة وحين لاحظ شادى هذا سلم ورقته هو الأخر لاحقاً بشهاب ..
وكان الأخير يسير بخطوات متأنية متجهاً للمصعد الخاص بذوى الإحتياجات الخاصة فأوقفه شادى قائلاً: أعذرنى لتطفلى ولكننى أريد معرفة ما حدث بينك وبين المراقب، كنت أراك باللجنة فى الفصل الاول ولكنك لم تكن هكذا!
حك ذقنه ونظر للأرض مكملاً: اقصد عينك وتلك العكازات، ماذا حدث؟
أسند شهاب ظهره إلى الحائط مجيباً سؤال شادى بأخر مثله: ألم تسمع عن ثورة يناير؟ تلك التى يتغنون بها فى التلفاز!
تراجع شادى محدقاً فيه بذهول قائلاً بصوت مرتبك: أنت، أنت أصبت أثناء الثورة بالفعل؟
تنهد شهاب ربما لذكرى جالت بخاطره وزمجر: نعم، أى شىء أخر؟

- ما سر عراكك مع مراقب الدور؟
- فضولى أنت إذاً! حسناً كان يريد ادخالى لجنة خاصة بالمعاقين، ولكننى رفضت هذا وأردت الإمتحان بلجنة الفصل الاول الخاصة بى ..

"كيف يجرؤ؟" هتف بها شادى فى سخط!
فضحك شهاب بعصبية قائلاً: لا تبالى يا صديقى، أنا اكتسبت لقب معاق لبقية حياتى وهم لايزالوا ينعمون بوظائفهم واعمالهم العادية، مئات إستشهدوا وألاف تحولوا لمعاقين وكأن شيئا لم يكن!
هز شادى رأسه بأسف فأكمل شهاب: أتعرف ما يؤلمنى بحق؟ ذلك اللقب اللعين، معاق! أقسم لك أن إعاقتى الجسدية هى أهون على من إعاقتهم الفكرية!
قالها وأستند على عكازيه ليركب المصعد ..
المصعد المخصص للمعاقين!


***

السبت، 11 يونيو 2011

رحلة العودة - قصة قصيرة

"لك السلام" قالها ذلك الشاب الذى بدت معالم الإجهاد وأرهاق السفر الطويل عليه فنظر إليه الشيخ العجوز نظرة متفحصة ثم رد فى حذر: ولك!
افترش الشاب الأرض بجوار الشيخ الذى جلس على مشارف مدينة نينوس يرعى الغنم ثم تنهد بحرقة وقال بأعين زائغة: الطاعون ضرب مدينتى، فتك بقبيلتى بأسرها!
القى الشيخ نظرة روتينية على الأغنام وهو يسأل الشاب: هل فصلت روح عن جسد من قبل؟
التفت إليه الشاب قائلاً: ماذا تعنى؟
فرد الشيخ بحدة: أفصلت روح أحدهم عن جسده؟
أخذ الشاب نفساً عميقاً واجاب سائلاً: تقصد قتلت؟

-        لا تستخدم هذه الكلمة، فقط جاوب سؤالى!
-        لا لم افعل هذا، اقسم بميداسا لم افعل
-        وما هو ميداسا هذا؟
-        إله قبيلتى
-        أنت أحمق كإلهك الحجرى
-        كيف تجرؤ؟ لو لم تكن عجوزاً ..
-        إذاً تمتلك بعض الأخلاق!
-        وما أدراك أنت؟
-        أسمعت بيونس؟
-        أنا غريب عن بلادكم هذه
-        الشمس ستغرب عنا لتشرق بمكان أخر ومن بعد النور يأتى الظلام، ما الذى أتى بك إلى هنا يا فتى؟
-        جئت هارباً
-        وماذا تريد؟
-        أريد النوم، صارت الأحلام اكثر واقعية من تلك الحياة، يكفى إنها مليئة بالأمل، اريد النوم أيها العجوز، النوم فحسب!
-        أترى تلك الخيمة؟ تستطيع إشباع حاجتك من النوم هناك، وتستطيع أيضاً إحتساء بعض اللبن
-        ظننتك ستقول الخمر
-        أنا عجوز يا ولدى، ذهبت أيام الخمر إلى غير رجعة

تركه الشاب متجهاً للخيمة ولم تمض دقائق حتى ذهب فى سبات عميق، وفى الصباح أيقظه العجوز قائلاً: أفق يا فتى أشرقت الشمس!
فتح الشاب عيناه وجلس واضعاً يديه على رأسه ثم قال بصوت مرتجف: لقد حلمت به!
كان العجوز يعد بعض الطعام فقال دون إهتمام: من تقصد؟
رد الشاب بصوت ملؤه الرهبة: يونس!
انتفض الشيخ تاركاً كل شىء والتفت للشاب قائلاً بتوتر بالغ: قص على ما رأيت!
"كان يجلس بمرفأ بالبحر الأبيض يسأل الناس عن نينوس" قالها الشاب وهو يعصر رأسه ليذكر المزيد ..
أمسك الشيخ بذراعيه وقد أحمرّ وجهه سائلاً: وماذا أيضاً؟

-        لا أتذكر!
-        عليك التذكر يا فتى، لماذا يسأل يونس عن نينوس؟
-        اقسم بميداسا إننى لأستمع الأن لصوت الرعب!
-        وهل للرعب من صوت؟
-        نعم أيها العجوز للرعب صوت، صوت قاسِ، صوت ألاف البشر يصرخون، يونس يسأل عن عذاب الإله الواحد الذى سيحل بنينوس
-        إنها البداية إذاً!
-        بل قل النهاية!
-        كل نهاية تحمل خلفها بداية
-        حدثنى عن يونس، حدثنى عن الإله الواحد
-        الإله الواحد هو مالك وخالق كل شىء ويونس هو رسول من الإله الواحد إلينا أرسله ليبعد أهل نينوس عن الضلال وعبادة الاحجار
-        وماذا حدث بعدها؟
-        أتهموه بالجنون ورفضوا دعوته فحذرهم من عذاب الإله الواحد وغادر، احمل الطعام واتبعنى لنجلس خارج الخيمة، الأغنام بمفردها!

جلس الشيخ والشاب جواره يتناولان الطعام ثم أشار الشيخ إلى إحداهن قائلاً: انظر إلى تلك المرأة هناك!

-        ظننتك عجوز صالح!
-        هى نيتك السيئة فحسب، انظر إليها وهى تساعد طفلها على السير، ترى لماذا تضيع وقتها وتسير جواره رغم إنها تستطيع حمله والذهاب اينما تريد؟
-        إنها تعلمه المشى!
-        بالضبط، البشر بحاجة لبعض الوقت حتى يتعلموا وقد تركنا يونس قبل مضى مدة كافية لنتعلم

وقف الشاب فجأة صارخاً: انظر هناك!

-        ما الأمر يا فتى؟
-        دقق النظر أيها العجوز
-        لم تعد عيناى تقويان على الرؤية يا ولدى
-        غيوم سوداء كقطعة من ظلام الليل، دخان أسود فى السماء لقد أحال النهار ليلاً
-        إنه عذاب الأله الواحد، امسك بيدى يا ولدى لنذهب الى المدينة

إتجه العجوز مستنداً على الشاب إلى أحدى ساحات المدينة ..
وقف العجوز وسط الساحة يهتف بصوته العميق: يا قوم، جئت أنبئكم بعذاب الإله الواحد، إنه قادم إلينا جزاء ما فعلتموه بيونس!
اجتمع الناس حول العجوز ينظرون إلى الافق وقد بدت عليهم معالم الخوف الممزوج بالندم فهتف أحدهم: إذاً يونس كان على حق، إنه رسول الإله الواحد!
وهتف أخر: يا ويلتنا!
وبدء الجميع يصرخون: أين أنت يا يونس؟
حتى وصلهم نداء الشيخ فصمتوا جميعاً فرفع الشيخ يده هاتفاً بحدة: إفصلوا بين الأطفال وامهاتهم، إفصلوا بين الحيوانات والمراعى، ابكوا جميعاً ندماً على خطأكم فى حق الإله الواحد ورسوله، لن يسمع فى المدينة من اليوم إلا صوت البكاء!
وبكت المدينة حتى حلّ عنها عذاب الله حين كان يونس يجلس على متن أحدى السفن التى تتلاعب بها الامواج وكعادة أهل البحار قرروا القذف بأحدهم للبحر وإقترعوا قرعة الموت!
-        إنه يونس!
-        لا، لا يمكن أن نقذف بالرجل الصالح أعدّ القرعة يا رجل
-        يونس ثانية!
-        أعدّها مرة أخرى إذاً
-        يا للعجب، يونس مرة أخرى؟
-        إنه المقصود إذاً!
-        أنا افتديك بنفسى يا يونس
-        لا يا يونس، لا ترفض عرضه وتقذف بنفسك
-        لقد قفز فى البحر بالفعل!
-        انظروا هناك!
-        حوت!!
-        اعيدوا الرجل الصالح إلى السفينة سيأكله الحوت
-        لقد أكله الحوت، أرسلنا الرجل الصالح ليلقى الموت فى بطن الحوت

وبكى أهل السفينة حزناً على فراق يونس!

على أحد الشواطىء وقف يونس بعد رحلة فى بطن الحوت تعلم الدرس فيها كما تعلمه أهل نينوس وحينها إنتهت رحلة الدرس وبدأت رحلة العودة ..


***

السبت، 4 يونيو 2011

الحكاية الأخيرة - قصة قصيرة

ساعد جون أمه العجوز فى ركوب السيارة التى بدأت التحرك مُتجهة نحو تلك الكنيسة الكبيرة التى تقع فى إحدى أحياء نيويورك، ساد الصمت داخل السيارة حتى كسرته الأم مفتتحة الحديث: هل ستبقى صامتاً طوال الطريق؟
لم يرد جون فأكملت الأم: أتريد الإستماع  لحكاية من حكايات أمك العجوز؟ أم أنك سئمت منها؟
تنهد جون قائلاً: أنتِ تعلمين أننى أحب الإستماع ولكنه ليس وقتاً مناسباً!
خلعت الأم نظارتها وأغمضت عيناها وهى تقول: بل هو وقت مناسب تماماً، الطريق مازال طويلاً كما إنها قصة مختلفة هذه المرة
تمتم جون: حسناً، كما تريدين
فرجعت بالمقعد للخلف وأبقت على عيناها مغلقتين وبدأت بسرد الحكاية

"تأكد بيتر من أسم ذلك المطعم الفاخر قبل أن يخطو داخله بحذر ..
ألقى نظرة سريعة على المكان ثم بدء يبحث بين الطاولات عن أحدهم، وأخيراً توقف أمامها!
لم تكن كابطال الحكايات فلم تكن تمتلك تلك الأعين الزرقاء أو الخضراء أو حتى ذلك الشعر الذهبى الطويل، ولكنه وقف يحدق بها مذهولاً!
كل هذا وهى منشغلة بقراءة قائمة الطعام، اخيراً لاحظت وجوده وهو يقف محدقاً بها حتى إنها ألقت نظرة سريعة خلفها ولكنه كان ينظر إليها هى ولاحظ هو ذلك التوتر الذى غطى معالم وجهها فسحب الكرسى المقابل لها وجلس عليه وهو يقول ببساطة: أنا أسف للتأخير ولكنك لم تحددى موعد معين
رددت بتعجب وهى تشير إلى نفسها: أنا؟
أشار بيده عليها وهو يقول مبتسماً: فى الحلم!
ألقت نظرة متفحصة عليه وهى تقول بتردد: أى حلم؟
هنا قاطعهم النادل قائلاً بلهجة روتينية: مساء الخير، الطلبات؟
"بيتزا بالمشروم" قالها بيتر دون حتى النظر إلى قائمة الطعام فالتفت النادل للفتاة قائلاً: وانتِ سيدتى؟
"مثله تماماً" قالتها بتردد غريب، وهى تنظر لبيتر بقلق واضح ولم يكد الرجل يغادر حتى مالت عليه تسأله بحذر: كيف علمت طلبى المفضل؟
فرد بيتر ببساطة: أنتِ أخبرتينى!
رجعت بظهرها للوراء وبدت علامات الدهشة على وجهها وهى تقول: أنا؟ متى وأين؟
أشار إليها ثانية وهو يقول بابتسامة واسعة: فى الحلم!
فضحكت هى وقالت بسخرية: لغتك الإنجليزية مضحكة للغاية، أنت لست أمريكى، أليس كذلك؟
أجاب بنبرة فخر: بلى ، أنا مصرى!
مالت برأسها عليه وقالت فى حدة: إذاً أيها المصرى ألن تخبرنى بذلك الحلم السحرى أم إنها أحدى حيل الفراعنة؟
مد إليها يده وهو يسألها: ترقصى؟
ألقت نظرة حولها وقالت بصوت خافت: هل جننت؟ لا يوجد مكان للرقص هنا سيظننا الناس مجانين!
فضحك هو وقام ساحباً يدها برفق وهو يقول بسخرية: الجنون، هذا ما يمكن أن تسميه لعنة الفراعنة التى ورثتها عنهم بحق!
وبدءا الرقص وبدء هو يقص الحلم ..

"وفى نهاية الحلم أخبرتينى إننا سنلتقى هنا الليلة" قالها وإبتسامته لم تغادر وجهه فمالت هى على أذنه تقول: يا لك من ماكر، هل تعتقد إننى سأصدق كل هذا؟
أشار لهما النادل بأحضاره الطعام فعادا للطاولة التى وضع عليها النادل الطعام وتركها فأجاب بيتر بهدوء: لقد صدقتنى بالفعل!
علت إبتسامة واسعة وجهها وهى تردد: حقاً؟
فرد ببساطة: لو كنت كاذباً لطلبتى منى الرحيل!
أبتسمت على إستحياء وهى تهمس: ولماذا لم تحلم بأحدى فتيات بلدك؟
ترك الطعام وقال ببساطته المعهودة: إنهم لا يفهمون!
سألته بحيرة: لا يفهمون ماذا؟
فضحك هو قائلاً: تفسير الاحلام
ثم وقف فجأة فسألته هى بقلق: إلى أين؟
أجاب بحزن : للأسف على الرحيل

-        أنت لم تكمل طعامك
-        لم أكن جائعاً حقاً
-        ألا تريد معرفة أسمى؟
-        لقد أخبرتينى أياه فى الحلم
-        إذاُ ما هو؟
-        جينيفر

تمتمت جينيفر كالمسحورة: صدقت!
وضع الحساب على الطاولة وهم بالرحيل فسألته بلهفة: ألن نلتقى ثانية؟
غمز بعينه وهو يقول: أخبرينى بالمكان والموعد فى حلم الليلة
وغادر المطعم وهى تتابعه بعينيها حتى غاب عن نظرها فأخذت نفساً عميق وعلت إبتسامة واسعة وجهها ثم بدأت تستمتع بالطعام"

"وصلنا يا أمى" قالها جون وهو يفتح الباب لوالدته فوضعت النظارة على عينيها ثانية واستندت عليه وبدءا السير فى ممرات الكنيسة متجهين للقاعة الكبيرة وهنا سألها جون بفضول: هل ألتقيا ثانية؟
أبتسمت العجوز وقالت ضاحكة: فى نفس المكان ونفس التوقيت!
أخيراً وصلا القاعة فوقفت العجوز أمام ذلك التابوت المفتوح والذى رقد بداخله أحدهم وقد بدت علامات الشيخوخة واضحة عليه وقد أرتدى بدلة بالغة الأناقة فأقترب منها جون وضمها بين ذراعيه فبدأت هى البكاء وهى تتحسس رأس بيتر الراقد بالصندوق وتقول: ومن يومها لم يفترقا أبداً، حتى فى الأحلام كان هناك لقاء!
أجلسها جون على أحد المقاعد وبدأت مراسم الجنازة المعتادة إلى أن وصلت لتلك المرحلة التى يتحدث فيها أهل الفقيد وأصدقائه عنه فعلا جون المنصة متحدثاً عن أبيه ولم يكد ينهى خطابه حتى أشار لأمه قائلاً: وفى النهاية هناك قصة توضح مدى إيمانه وستقصها عليكم من عاشت هذه القصة الرائعة معه ولكن النظارة كانت قد سقطت!
غادرت الأم هذا العالم بحقيقته وأحلامه لتلحق بزوجها فى ذلك العالم الجديد
"يا للمحظوظ، دائماً ما يجد طريقة ما تجمعه بها" قالها جون وهو ينظر لأمه التى إلتف أصدقائها وأقربائها حولها، وعندما عاد للمنزل أحضر بعض الاوراق وكتب فى وسط السطر ..

الحكاية الأخيرة


***