السبت، 4 يونيو 2011

الحكاية الأخيرة - قصة قصيرة

ساعد جون أمه العجوز فى ركوب السيارة التى بدأت التحرك مُتجهة نحو تلك الكنيسة الكبيرة التى تقع فى إحدى أحياء نيويورك، ساد الصمت داخل السيارة حتى كسرته الأم مفتتحة الحديث: هل ستبقى صامتاً طوال الطريق؟
لم يرد جون فأكملت الأم: أتريد الإستماع  لحكاية من حكايات أمك العجوز؟ أم أنك سئمت منها؟
تنهد جون قائلاً: أنتِ تعلمين أننى أحب الإستماع ولكنه ليس وقتاً مناسباً!
خلعت الأم نظارتها وأغمضت عيناها وهى تقول: بل هو وقت مناسب تماماً، الطريق مازال طويلاً كما إنها قصة مختلفة هذه المرة
تمتم جون: حسناً، كما تريدين
فرجعت بالمقعد للخلف وأبقت على عيناها مغلقتين وبدأت بسرد الحكاية

"تأكد بيتر من أسم ذلك المطعم الفاخر قبل أن يخطو داخله بحذر ..
ألقى نظرة سريعة على المكان ثم بدء يبحث بين الطاولات عن أحدهم، وأخيراً توقف أمامها!
لم تكن كابطال الحكايات فلم تكن تمتلك تلك الأعين الزرقاء أو الخضراء أو حتى ذلك الشعر الذهبى الطويل، ولكنه وقف يحدق بها مذهولاً!
كل هذا وهى منشغلة بقراءة قائمة الطعام، اخيراً لاحظت وجوده وهو يقف محدقاً بها حتى إنها ألقت نظرة سريعة خلفها ولكنه كان ينظر إليها هى ولاحظ هو ذلك التوتر الذى غطى معالم وجهها فسحب الكرسى المقابل لها وجلس عليه وهو يقول ببساطة: أنا أسف للتأخير ولكنك لم تحددى موعد معين
رددت بتعجب وهى تشير إلى نفسها: أنا؟
أشار بيده عليها وهو يقول مبتسماً: فى الحلم!
ألقت نظرة متفحصة عليه وهى تقول بتردد: أى حلم؟
هنا قاطعهم النادل قائلاً بلهجة روتينية: مساء الخير، الطلبات؟
"بيتزا بالمشروم" قالها بيتر دون حتى النظر إلى قائمة الطعام فالتفت النادل للفتاة قائلاً: وانتِ سيدتى؟
"مثله تماماً" قالتها بتردد غريب، وهى تنظر لبيتر بقلق واضح ولم يكد الرجل يغادر حتى مالت عليه تسأله بحذر: كيف علمت طلبى المفضل؟
فرد بيتر ببساطة: أنتِ أخبرتينى!
رجعت بظهرها للوراء وبدت علامات الدهشة على وجهها وهى تقول: أنا؟ متى وأين؟
أشار إليها ثانية وهو يقول بابتسامة واسعة: فى الحلم!
فضحكت هى وقالت بسخرية: لغتك الإنجليزية مضحكة للغاية، أنت لست أمريكى، أليس كذلك؟
أجاب بنبرة فخر: بلى ، أنا مصرى!
مالت برأسها عليه وقالت فى حدة: إذاً أيها المصرى ألن تخبرنى بذلك الحلم السحرى أم إنها أحدى حيل الفراعنة؟
مد إليها يده وهو يسألها: ترقصى؟
ألقت نظرة حولها وقالت بصوت خافت: هل جننت؟ لا يوجد مكان للرقص هنا سيظننا الناس مجانين!
فضحك هو وقام ساحباً يدها برفق وهو يقول بسخرية: الجنون، هذا ما يمكن أن تسميه لعنة الفراعنة التى ورثتها عنهم بحق!
وبدءا الرقص وبدء هو يقص الحلم ..

"وفى نهاية الحلم أخبرتينى إننا سنلتقى هنا الليلة" قالها وإبتسامته لم تغادر وجهه فمالت هى على أذنه تقول: يا لك من ماكر، هل تعتقد إننى سأصدق كل هذا؟
أشار لهما النادل بأحضاره الطعام فعادا للطاولة التى وضع عليها النادل الطعام وتركها فأجاب بيتر بهدوء: لقد صدقتنى بالفعل!
علت إبتسامة واسعة وجهها وهى تردد: حقاً؟
فرد ببساطة: لو كنت كاذباً لطلبتى منى الرحيل!
أبتسمت على إستحياء وهى تهمس: ولماذا لم تحلم بأحدى فتيات بلدك؟
ترك الطعام وقال ببساطته المعهودة: إنهم لا يفهمون!
سألته بحيرة: لا يفهمون ماذا؟
فضحك هو قائلاً: تفسير الاحلام
ثم وقف فجأة فسألته هى بقلق: إلى أين؟
أجاب بحزن : للأسف على الرحيل

-        أنت لم تكمل طعامك
-        لم أكن جائعاً حقاً
-        ألا تريد معرفة أسمى؟
-        لقد أخبرتينى أياه فى الحلم
-        إذاُ ما هو؟
-        جينيفر

تمتمت جينيفر كالمسحورة: صدقت!
وضع الحساب على الطاولة وهم بالرحيل فسألته بلهفة: ألن نلتقى ثانية؟
غمز بعينه وهو يقول: أخبرينى بالمكان والموعد فى حلم الليلة
وغادر المطعم وهى تتابعه بعينيها حتى غاب عن نظرها فأخذت نفساً عميق وعلت إبتسامة واسعة وجهها ثم بدأت تستمتع بالطعام"

"وصلنا يا أمى" قالها جون وهو يفتح الباب لوالدته فوضعت النظارة على عينيها ثانية واستندت عليه وبدءا السير فى ممرات الكنيسة متجهين للقاعة الكبيرة وهنا سألها جون بفضول: هل ألتقيا ثانية؟
أبتسمت العجوز وقالت ضاحكة: فى نفس المكان ونفس التوقيت!
أخيراً وصلا القاعة فوقفت العجوز أمام ذلك التابوت المفتوح والذى رقد بداخله أحدهم وقد بدت علامات الشيخوخة واضحة عليه وقد أرتدى بدلة بالغة الأناقة فأقترب منها جون وضمها بين ذراعيه فبدأت هى البكاء وهى تتحسس رأس بيتر الراقد بالصندوق وتقول: ومن يومها لم يفترقا أبداً، حتى فى الأحلام كان هناك لقاء!
أجلسها جون على أحد المقاعد وبدأت مراسم الجنازة المعتادة إلى أن وصلت لتلك المرحلة التى يتحدث فيها أهل الفقيد وأصدقائه عنه فعلا جون المنصة متحدثاً عن أبيه ولم يكد ينهى خطابه حتى أشار لأمه قائلاً: وفى النهاية هناك قصة توضح مدى إيمانه وستقصها عليكم من عاشت هذه القصة الرائعة معه ولكن النظارة كانت قد سقطت!
غادرت الأم هذا العالم بحقيقته وأحلامه لتلحق بزوجها فى ذلك العالم الجديد
"يا للمحظوظ، دائماً ما يجد طريقة ما تجمعه بها" قالها جون وهو ينظر لأمه التى إلتف أصدقائها وأقربائها حولها، وعندما عاد للمنزل أحضر بعض الاوراق وكتب فى وسط السطر ..

الحكاية الأخيرة


***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق