"لا يمكن أن تكون هذه هى النهاية" قالها مستجمعاً كل ذرة
ألم اجتاحت جسده، قالها دون أن يحرك شفتيه، فقط ترددت داخله لتنتابه رجفة شديدة
بعدها ..
بدأ الأمر فى تلك الليلة التى قرر فيها ذلك الشاب الذى لم تتجاوز سنوات
عمره الثلاثين السير بمفرده رغبة فى التفكير، التفكير فى وضعه الحالى وفى المستقبل
..
كان يرتدي ثياباً بسيطة تناسب تلك النزهة الليلية، شعر بصفاء الذهن وسحره
الليل كما سحر آلاف الأعين الساهرة ..
أطلق صفير منتظم عبر شفتيه للحن دائماً ما أعجبه وبدأ التفكير فى مشاكله
باحثاً عن أى حل يجوب به عقله أو يلهمه إياه ذلك الليل الساحر أو القمر الشبه
مكتمل الذى كان يتبعه منذ غادر المنزل، ووسط انشغاله بكل هذا صدمه ذلك الصوت الضخم
هاتكاً طبلة أذنه: لو طلعت حس هصفيك!
قالها شاب غليظ الملامح يملك جسد
يناسب صوته تماماً ثم دفع فريسته ليلصقه بأحد جدران شارع خلى من المارة وبمجرد أن
اصطدم بالجدار هطلت عليه أمطار من التراب والغبار ..
كانت المرة الأولى التى يمر بها بموقف كهذا، توقف جسده عن الحراك وعقله عن
التفكير ..
"طلع اللي معاك وروح سليم، فرصة مش هتتكرر!" زمجر بها ساخراً ثم
أخرج مطواة وفتحها فى حركة سينمائية رغبة فى إرهاب الضحية ولما لم يجد منه رد
وضعها على وجهه فأحس بها تنازع طبقات جلده محاولة رسم خط أحمر من الدماء ..
كانت محتويات جيوبه هى هاتفه المحمول ومحفظة ضمت ما تبقى من مصاريف الشهر،
أشياء لا تستحق المخاطرة بالحياة من أجلها ولكن لسبب أو لآخر فعلها، هو نفسه لا
يعلم من أين أتت تلك الشجاعة!
ربما خوفاً من الألم؟ أو لأنه لو رُسم خط الدماء هذا لكان كفيلاً بتدمير
مقابلة الغد مع عميل مهم، حتى لو أعطى للسارق ما يريد ربما يترك له علامة ما
كتذكار!
كل هذا كان يجول برأسه حين ركل مهاجمه بين قدميه مستجمعاً كل قوته فصرخ الآخر
متألماً ولكنه تشبث بقدم الشاب ودفعه أرضاً غارساً المطواة فى إحدى قدميه ثم انتزعها
وسقطا سوياً فى اشتباك ملحمي كعناق غير مرغوب فيه وعلت صرخة ألم ..
كل الأحلام، الآمال، كل ما فكر بتحقيقه كان يدور أمام عينيه وهو يهتف بقوة:
لا!
ثم انتزع المطواة من يد مهاجمه وأعادها له ثانية فى قلبه ..
وحين استلم قلب السارق مطواة كانت تمسكها يداه من دقائق كوسيلة لكسب العيش
وأدرك ما هو بصدده هتف صوت داخله: لا يمكن أن تكون هذه هى النهاية!
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق