الأربعاء، 26 يناير 2011

ضحكة حسرة - قصة قصيرة


ذهبت وبعض الأصدقاء للعب الكرة بأحد الشوارع التى يندر مرور السيارات بها ومرت ربع ساعة من اللعب حتى فوجئنا برجل فى العقد الخامس من العمر يرتدى ثياباً بسيطة ويطلب اللعب معنا ووسط ذهول وحرج الأصدقاء خرجت ليلعب بدلاً منى، وكانت المفاجأة!
كان أفضل من الجميع، يركض وكأنه لايزال شاباً ثم توقف اللعب للراحة ولكنه ظل يلعب وحده قليلاً وبعدها جلس بجانبى ليستريح ثم التفت إلىّ يسألنى فى بساطة: تدينى كام سنة؟
رددت فى حيرة: حاجة وخمسين؟     
ابتسم فى حسرة وقال: بل تسع وثلاثون سنة وسأتم الأربعون قريباً ولم أتزوج بعد!
اتسعت عيناى من الدهشة عندما سمعت سنه الحقيقى، حتى إنه اخرج بطاقته واعطانى أياها لأتأكد من صحة كلامه وسط إرتباكى وأنا اؤكد له إننى أصدقه ثم القيت نظرة سريعة على البطاقة بدافع الفضول وكان كلامه صحيحاً!
أعطيته البطاقة فوضعها فى جيبه بحرص ثم بدء يتحدث عن أشخاص يعرفهم من اقربائه وأصدقائه ويذكر العديد من الأسامى والأماكن، كان يتحدث بسرعة كبيرة ويختم كل جملة بضحكة سخرية وحسرة، وكانت اكثر الجمل تكراراً فى كلامه: وشوف كل ده وأنا عندى أربعين سنة ولسه ماتجوزتش!
ظللت أسمع وأتعجب من حال الرجل الذى صار حال الكثيرين حتى اقترب أحد الأصدقاء وهمس فى أذنى: سيبه يا عم ده مجنون!
نظرت إليه فى حزن وتركته وضحكته لازالت تتردد فى أذنى ..
ضحكة حسرة!


***

الثلاثاء، 25 يناير 2011

مظاهرة - قصة قصيرة


فى أحد احياء القاهرة الشعبية استيقظ جلال صالح امين الشرطة بإحدى فرق الأمن المركزى على صرخات زوجته فى ابنهما الوحيد لتأخره عن ميعاد المدرسة ..
بدت عليه علامات الضيق وهو يتمتم: يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم!
ثم سعل بشدة معلناً لابنه استيقاظه فخطف حسين شنطة المدرسة وغادر المنزل فى عجلة  فابتسمت الام ودخلت على زوجها وهى تقول: صباح الخير ياخويا، معلش صحيتك من النوم الواد مغلبنى ومش عايز يروح المدرسة
نظر إليها فى ضيق قائلاً: لما ييجى انهاردة أنا هعرف اربيه، ده أنا بربى عيال شُحطة مش هاعرف اربى المفعوص ده!
فقالت له فى استعطاف: معلش ياخويا مصيره يكبر
استغرق جلال نصف ساعة ليرتدى زيه الخاص وتأكد من أن مسدسه محشو ثم قال فى صوت جهورى: أنا نازل يا ام حسين
فهرولت إليه وسألته بلهفة: هو فى حاجة انهاردة؟ نازل بدرى ليه؟
طبع قبلة على وجنتها وهو يقول: العيال بتوع الجامعات اتجننوا اليومين دول
امتقع وجهها وهى تقول: تروح وتيجى بالسلامة
لم يكن اليوم كأى يوم، هذا ما شعرت به ام حسين وهى تدعو بخفوت: ربنا يستر!
لم يكد جلال يمر امام القهوة المجاورة لمنزله حتى حياه الجميع فى تضرع فالجميع يعلم بطشه ومن ينسى جاره ابو علاء وماحدث له ولاولاده عندما تشاجر مع جلال!
تذكر جلال قبل مغادرته للشارع إنه بحاجة لكوب من الشاى فرجع للقهوة التى افسح له صاحبها مكاناً مميزاً وهو ينادى صبيه لخدمة جلال الذى قال فى عجلة: واحد شاى تقيل بسرعة ياض!
واخرج سيجارة من علبته ودخنها بتلذذ ثم احضر له الصبى كوب الشاى وتركه ليرى باقى طلبات الزبائن، ولم تمضِ دقيقة حتى نادى جلال الصبى الذى أتى مهرولاً ليصفعه جلال على وجهه فسقط أرضاً وجلال يسبه أشنع السباب فتدخل صاحب القهوة قائلاً: فى أيه يا جلال باشا؟
زمجر جلال وهو يهتف فى غضب: أقوله عايز شاى تقيل يجبلى مياة!
أخذ صاحب القهوة كوب الشاى وهو يقول: هاعملك الشاى بنفسى!
ثم نظر للصبى بعطف وقال له بغضب مصطنع: غور من هنا الساعة دى
غادر جلال الشارع ليجد أحد العساكر يجهز البوكس فركب جوار السائق وهو يقول فى غلظته المعتادة فى الحديث: اطلع يابنى!
ثم اخرج اللاسلكى وتحدث إلى مساعده مدحت قائلاً: الميكروباصات جاهزة؟
 فرد مدحت: كله تمام يا باشا والرجالة بتوعنا جاهزين
احتشد مئات من الطلاب بمختلف انتمائتهم خلف اسوار الجامعة وعساكر الأمن المركزى يحيطون بهم بعصيهم الغليظة ودروعهم السميكة، وصلت عربة جلال الذى نزل منها متعجلاً وما أن رأى كم الطلاب المتظاهرين حتى هتف مستنكراً: أيه كل دول؟
ثم أدى التحية لأحد الضباط فى زى مدنى وهو يقول: كله جاهز يا باشا!
نظر إليه الضابط حسام قائلاً فى ضيق: ما لسه بدرى!
تنحنح جلال قائلاً: كنا بنفهم العيال المسجلين ليموتوا حد من إللى بيتظاهروا فى الشارع
نظر له حسام فى شرود وقال: مش مهم!
فإستأذنه جلال وذهب ليتفقد الترتيبات الأمنية بينما تعلو أصوات الطلاب وبدء الاشتباك مع الأمن المركزى والضباط فى الزى المدنى يأخذون من يقود المظاهرة وعربات الميكروباص تجول حول الجامعة، أما جلال فكان ينظم العساكر عندما لمح الضابط حسام ويده ستهبط على فك فتاة لتحطمه, وقبل أن تسقط يده على وجه المسكينة أوقفته يد جلال، فصرخ به حسام بغضب شديد: فى أيه يا حيوان؟
جر جلال الفتاة لتقف خلفه وهو يقول: إلا البنت دى يا باشا!
جز حسام على أسنانه فأصدرت صوت مخيف وقال: ومين دى؟
نظر جلال للأرض وقال بخفوت: بنت اخويا
علت إبتسامة خبيثة وجه حسام وهو يسأل جلال: وأيه إللى بيطلع بنت اخوك فى مظاهرات؟
رد عليه جلال بضراعة: غلطة ومش هتتكرر يا فندم
بدا حسام وكأنه وحش يكشر عن أنيابه وهو يقول: وكل غلطة وليها ثمن، هات البنت يا جلال!
أمسك جلال بكف الفتاة بقوة وأخذها وبدءا السير بعيداً وترك حسام يصرخ خلفه: هات البنت يا جلال!
ثم اخرج مسدسه وضرب جلال فى ساقه اليمنى فتوقف برهة ثم سقط على الأرض وهو يهمس فى أذن الفتاة: اجرى!!
فجرى حسام خلفها ولكن جلال تشبث بقدمه فأقبل العساكر على جلال يضربونه بعصيهم حتى فقد الوعى ..
أفاق جلال فى إحدى المستشفيات الحكومية فوجد زوجته وابنه الصغير واخاه ينظرون إليه بلهفة وزوجته تقول بسعادة: حمد الله على سلامتك يا ابو حسين!
إبتسم جلال وحول نظره لاخيه وهو يقول بصوت خافت: البنت بخير؟
فأجاب اخاه: الحمد لله، بس ..
سأله جلال بصوت أشبه بالبكاء: بس أيه؟
مال اخاه على أذنه وهمس بها: هيحاكموك عسكرياً!
لم يرد جلال فالأسى فى عينيه كان خير مجيب، كل ما فكر فيه جلال فى هذه اللحظة كان حياته تمر امامه كفيلم من أفلام الأبعاد الثلاثية الجديدة، كم كان قاسٍ وظالم، كم يريد تغيير هذا وتبديل ذاك ولكن الماضى لا يتغير!
إذاً فهو بحاجه لبداية جديدة ..
هذا ما تردد فى عقل جلال، هذا كل ما يحتاجه ..
فقط بداية جديدة!


***

الأديان - دراسة


التاريخ بحلوه ومره سيظل المعلم الاكبر للانسان ..
أحداث مرت وشخصيات عاشت فى أزمنة مختلفة جمعهم التاريخ بين صفحاته العديدة ولكن للأسف الانسان لم يتعلم بعد!
الأديان قديمة قدم الانسان بل وجدت معه فور وجوده على الارض وبين مسلم ومسيحى ويهودى وعابد الحيوانات أوالاجرام السماوية أو الاصنام يظل الدين شىء أساسى غريزى أوجده الخالق فى الانسان ولم يكن الدين يوماً هو سبب إختلاف البشر، لم يكن سبباً فى الحروب، إنها المصالح فحسب!
تخيل لو أن اليهود يعيشون الان فى القطب الشمالى فى هدوء وسلام دون إرهاب ولا هتك للعرض والارض ..
هل كنت ستناديهم يوماً باولاد القردة والخنازير؟
هل كنت ستكره اليهود عامة؟
الأديان تجمع الناس تقومهم وتقويهم ولكن عندما تتعارض المصالح تدمر كل شىء يقف فى طريقها ولاسيما الأديان!
اكبر أعداد من البشر ماتوا بسبب الحروب لاسيما الاولى والثانية ..
هل كانت تلك الحروب بسبب الأديان؟
إنها المصالح اللعينة كالعادة!
أبناء الدين الواحد يتقاتلون، أبناء الرحم الواحد يتقاتلون ..
قتال الانسان مع أخيه الانسان لم يكن لإختلاف الدين واللون أو الجنس ..
إنه لإختلاف المصالح، الصراع دائماً من أجل النفوذ والقوة التى لهث خلفها البشر على مر القرون ..
أما عن الدين فى مصر، فمصر دولة عانت وطأة الاحتلال لسنوات عديدة أعدائها على مر السنين كانوا الاقوى والامهر وقد كسرت البعض وكسرها البعض الاخر ولكنها صمدت، صمدت بصمود أهلها بكل اقطابهم!
ثورة 1919 التى يتغنى بها البعض لم تكن لإثبات الوحدة بين قطبى الامة على خلفية حادث إرهابى، ولم تكن من أجل سعد زغلول، ولم تكن من أجل الظهور الاعلامى أو التباهى، بل كانت من أجل مصر، مصر فحسب!
لماذا إذاً شعار الهلال مع الصليب؟ لماذا تدخل الدين؟
ببساطة لأن هذا الجيل كان يستمد قوته من حبه لدينه ووطنه، المشاعر كانت حقيقية وهذا ما يميز مصر الامس ..
أما عن مصر اليوم فواقع اليم، الأديان تسب علناً فى الشوارع ..
صبى صغير تجده يسب دين هذا وذاك وسط حضور الكبار، كبار الاجسام صغار العقول، أصبح الدين تجارة فيخرج أحدهم ليهاجم دين الاخر فتهتم به الفضائيات ويجنى الاموال التى كلما زادت زاد الكره والكبت فى القلوب هذه المخرجة أو تلك العجوز يتحدثون عن الدين بطريقة سيئة فتجدهم فى كل برنامج وكل قناة، وتتكرر الاسئلة وتتكرر الإساءة ..
لو أن هناك مذنب حقيقى يجب أن يحاكم فهو الانسان الذى أقحم الدين فى صراعه من أجل السيطرة والنفوذ والمال، قيمة الانسان التى كرمها الدين بأن النفس بالنفس لأنها الاثمن على الارض أصبحت لا تساوى فى نظره الكثير، الالاف يقتلون  سنوياً!
البشر يموتون إنها طبيعتهم، يموتون وتبقى ذكراهم، بعضهم يمجد والبعض الاخر يلعن وتلعن ذكراه وكلاهما فى جوف الارض، كل ما يبقى من الانسان هو ذكراه، إذاً لماذا تكون ذكراى الاخيرة فى عقول من عشت معهم وفى عقول من لا يعرفونى حتى أن اكون مجرد أشلاء تتناقل صورتها وكالات الانباء؟ إنها طريقة مقززة لإنهاء حياة أحدهم، أن يموت لمجرد أنه حلقة صغيرة فى مخطط الكبار، مخطط الصراع على السلطة والسيطرة ..
حقيقة لم يقتل أنسان على ظهر الارض من أجل دينه أو لونه أو جنسه فقط قتلوا لإختلاف المصالح، لإنهم تروس صغيرة حطمها الكبار فى عبث البحث عن السلطة، لذا لا تقحموا اقيم ما نمتلك فى عبثكم، لا تقحموا الامل فى إصلاح البشر فى الاعيبكم، لا تقحموا الأديان!


***

السبت، 22 يناير 2011

مجانين الحى - دراسة


اكثر الاشياء أهمية لدى الانسان على الارض هى الاشياء التى أعطاها الله أياها بداية من روحه التى بين جنبيه لعقله وقلبه وعيناه وكل أعضائه التى أعطاها له الله دون كد أو تعب، يأتى بعدها المال والمنصب والاشياء المادية التى يكتسبها الانسان ولكن ماذا لو امتلك الانسان كل شىء وفقد عقله؟ كيف يشعر؟ وكيف يتعامل معه الناس؟
وأى جحيم مر به جعله يفقد عقله؟
القاهرة عاصمة مصر واكثر مدنها كثافة سكانية بها العديد من انواع البشر يختلفون فى الصفات والخصال ..
هذا طبيب وهذا مدرس وهذا ضابط وهذا مجنون!
 قد تكون رؤية المجانين فى مشفى شىء طبيعى فهو المكان الذى يجب أن يتواجدوا فيه لعل وعسى فقد يكتب الله لهم الشفاء ولكنهم هنا يسيرون بجانبك، وينامون فى الطرق والارصفة!
مؤكد تعرف أحدهم، أنا اعرف إثنان منهم، كم تعرف أنت؟


الاول

هو رجل كبير طاعن فى السن تعدى الستون، شعره يكسوه البياض وتتوسطه صلعة صغيرة وهو دائماً ما يرتدى جلباب قديم لا يكاد يغيره ..
عادة ما تجده يحك رأسه ويكلم اللا شىء، كل ما أعرفه عنه أن أسمه حسنى
لا تسألنى هل هذا اسمه الحقيقى أم اسم أطلقه الناس عليه فلقد عرفته بالصدفة عندما كنت أسير على أحد الارصفة وهو على الرصيف الاخر والاطفال ينادونه بهذا الاسم ويثيرون غضبه وجنونه فلم يكن منه إلا أن كشف لهم عن عورته! هكذا وفى وسط الطريق!
هل تذكرته الان؟ أم ذكرك بمجنون أخر عرفته يوماً؟
أحيانا اجده بالجامع لا يصلى ولكن ينام فى طمأنينة كالاطفال وبعد كل صلاة جمعة أجده يسأل الناس الصدقة بينما الاطفال يقذفونه بالحصى وسط تأنيب الكبار، فى مرة اختفى تماماً فظننته مات ولكنه عاد ثانية ليواصل ما اعتاد عليه!


الثانى

هو رجل تعدى الثلاثون، يرتدى ثياب بالية ونظارة عجيبة ..
لا اعرف اسمه، للأن على الاقل!
الاطفال يخشونه بحق لا يكاد يمر جوار أحدهم حتى يرتجف من الرعب ويفر هارباً، يخشونه ربما لافعاله العصبية العدوانية فدائماً ما تجده يكلم هذا بغلظة ويأمر هذا بشىء ويلكم هذا فى وجهه، وهذا هنا هو شخص أو أكثر يراهم هو فحسب، وقد تجده يحدثك أنت!
ولكن لا تكن متاكداً فربما يقف أحدهم أمامك وأنت لا تراه، أحياناً أرى معه طفل لا تتعدى سنوات عمره أصابع اليد الواحدة ..
أطرف موقف رأيته له كان ليلة العيد يرتدى جلباباً جديد على غير العادة والساعة لم تتخطى الثانية عشر بعد وكان يأكل الفسيخ بنهم وأحد السيدات تقف أمامه وتخبره أن هذا سيؤلم معدته غداً ولكنه اشاح بوجهه وتحدث إلى أحد أصدقائه الغير مرئيين فما كان منها إلا أن تضحك وتقول: المجانين فى نعيم!
ترى هل هم فى نعيم حقاً؟

 *****

غموض كضباب الغابات وسراب الصحراء يحيط بهم، لماذا هم بالشارع؟
هل مزق أحدهم تلك المسماه عين الرحمة؟ وهل للرحمة عين مزقتها مخالب الظلم؟
إنهم يشكلون خطراً حقيقياً على أنفسهم وعلى المجتمع وهم مرضى يخشى الجميع مرضهم ..
إذاً فالمجانين فى جحيم إلى أن تجد الرحمة من يتبرع لها بعين جديدة لتنظر لهؤلاء المساكين، ولكن عليك أن تتذكر فى كل مرة تراهم فيها إنهم يحتاجون لمساعدة أحد ولا تمر مرور الكرام ..
فقد يُمكنك الله فى الارض وتكون قادراً على مساعدتهم!


***

ما لا ترون - قصة قصيرة


أنا أرى ما لا ترون، صدقونى إنها الحقيقة فأنا أصل لحالة بين الوعى واللاوعى وعندها أرى أشياء لم تكن لتخطر ببال أياً منكم ..
يا للصدف!
إنها هى، إنها إحدى الرؤى تراودنى الان ..
دعونى أخبركم بما أرى، أرى ثلاثة أطياف غمرها البياض وأحدها يتقدم نحوى وهو يهتف بالاخرين: اقبضوا على الحشاش ده!
" هتف الضابط أمراً العساكر "
اللعنة! ستتوقف الرؤى قليلاً ولكننى أعدكم إننى سأعود وأخبركم بما أرى
فأنا أرى ما لا ترون!


***