الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

الإستفاقة - قصة قصيرة

تائه فى صحراء العقل، وحيداً!
ذلك التشويش السخيف، صراخ الضمير كبكاء النساء، الصداع الذى يفتك بكل خلية من خلايا عقله، نزيف الذكريات التى تُمحى أمام عينيه ..
يرى المشهد ويتألم له ثم يفقد تلك القدرة الرائعة على استرجاعه، لم يعد هو المتحكم، فقد السيطرة!
لم يعد يعطى الأوامر لذاكرته، شىء آخر يحركها!
زمام الأمور أفلت من يده، الكثير من الذنوب، ليس بحق الآخرين بقدر ماهى بحق نفسه، إنه يراها الآن تبدو أوضح من أى شىء رآه من قبل ..
المواقف تحدث من حوله تعرضها أشياء تشبه شاشات العرض السينمائى، وهو وسطها، فى الظلام ويداه تعتصران رأسه وتضغط عليها بشدة!
هل سيجعل الضغط الألم يخف أم سيزيده حدة؟ وهل يمكن أن يولد الضغط الراحة؟ أى حماقة وأى منطق هذا؟
تترك يداه رأسه، يدور بعينيه التى غطاها اللون الأحمر فى المكان ..
أى مكان؟ إنه حتى لا يعلم أين هو، كل ما يعلمه أنه مكان مظلم، بل شديد الظلمة!
فقط تضيئه تلك الذكريات التى تخترق الظلام كالبرق بين الحين والآخر، يحاول التركيز فى ترتيب تلك الذكريات، إنها تسير بشكل تصاعدى ..
منذ الصغر إلى الآن، من البداية لللانهاية، ووسط كل هذه الأخطاء ستظهر هى، ربما تحرره ذكرياتها، قريباً سيتغير كل شىء!
فقط لو أستطاع الصمود حتى تصل، لم يبق الكثير، نوبة صداع عنيفة وصوت صفير عالٍ يخترق أذنه، يخر على ركبتيه مغطياً أذنيه ويصرخ!
ظل يصرخ حتى مرت نوبة الصداع وتوقف الصفير، كان يتنفس بصعوبة كمن كان على وشك الغرق، استعاد نفسه وراجع ترتيب الذكريات ..
ستظهر هى الآن!
نعم، هنا ستظهر .. ولكن مهلاً!
لقد تخطاها! أى لعنة هذه؟ وبدأ الصراخ .. مجدداً!
عادة بشرية يلجؤون لها، ليست الأفضل ولكن المتاح!
سقوط من بعد الصراخ كجوع من بعد العطش، مزيد من الألم، مزيد من المعاناة!

لا يجد غير نفسه، أنت القاتل والضحية، أنت الفاعل والمفعول به!
اعتراف متأخر للغاية، ولكنه حرره!
نعم حرره وتوقف كل شىء!
وظهرت هى أخيراً لتمسح رأسه، إنها تبكى من أجله ..
وهو يبكى، من أجله ايضاً!
ولكنه يريد الابتسام من أجلها ..

"بم تشعر؟" قالتها هامسة فى أذنه بذلك الصوت الممتزج بصوت الدموع

-        الألم، الخجل!
-        وماذا أيضاً؟
-        الخوف!
-        أهذا كل شىء؟
-        الحب ..
-        وماذا؟
-        الذنب!

قالها لتخترق دمعة أخيرة غشاء عينيه وتنحدر على وجهه، وحينها تلاشى كل شىء!

-        دكتور، انظر!
-        يا إلهى، كيف يبكى وهو فى غيبوبة؟
إنه على وشك الإستفاقة، استدعوا رئيس القسم فوراً!


***

الأحد، 27 نوفمبر 2011

قدرة خارقة - قصة قصيرة

قصص الأبطال الخارقين هى الأروع على مر التاريخ، يعشقها الناس ويتابعونها بشغف ليشاهدوا ذلك الشخص العادى مثله مثل أيٍ منهم يتحول لبطل خارق، وأياً كانت قدرات ذلك البطل يتمنون لأنفسهم مثلها ..
الحقيقة أن قصتى مختلفة قليلاً، ولكنها قصة شخص خارق بالطبع ولكننى عكس كل الأبطال الخارقين لم أكن عادياً لأصبح خارقاً، لقد ولدت بتلك القدرة الرائعة على الرؤية حتى فقدت بصرى وعلمت معنى كونك خارقاً!
كونك تستطيع رؤية الألوان وتمييزها، السير بحرية فى الطرق، مشاهدة الأفلام، رؤية من تحب، النظر لنفسك بالمرآة، كل تلك القدرات التى يتمتع بها المبصرون وتمتعت بها من قبل ثم فقدتها نتيجة صدمة قوية فى الرأس، لا أعلم لما كنت متعجلا ذلك اليوم فليذهب العمل للجحيم!
كونك ضرير ككونك شخصاً عاديا وسط مجموعة من البشر الخارقين، فى البداية يخدمك كل من حولك بحماس بينما تتصبب أنت خجلاً منهم ومع مرور الوقت تستطيع تمييز نبرة الملل فى حديثهم، ملوا اصطحابك إلى كل مكان تود الذهاب إليه، ملوا مساعدتك لتقوم بتلك الأعمال التي يرونها عادية لا تحتاج مساعدة وتراها أنت أشياء خارقة لا لشيء إلا لأنك تراها بأعين لن ترى النور ثانية!
أحياناً يضطرك القدر إلى تعريف نفسك كضرير لأحدهم طالباً مساعدته ليوصلك لمكان او لآخر، أحياناً أخرى تسقط ارضاً، ليس أنت فحسب بل طعامك وأشياءك أيضاً ..
الظلام، تخيلك لشكل الأشخاص الجديدة، تخمينك كيف سيصبح وجهك بعد سنوات وأوجه من حولك كذلك، صوت أمك المشفق، وبالرغم من كل هذه المعاناة إلا أنى لازلت أملك الكثير من القدرات الخارقة وصدقنى يا من تقرأ تلك الحروف كونك ترى ما أمليه على أحدهم ليكتبه يعنى أنك تمتلك أقوى القدرات الخارقة على الإطلاق!
ويعنى أيضاً أننى لم أستطع البوح بكل ما فى الأمر!


***

السبت، 26 نوفمبر 2011

عباس سعيد - قصة قصيرة

ضحك من أعمق أعماق قلبه وهو يهتف بكل قوة: أنا فشارة فى الحلة!
وبدء يقفز بالفعل ليبدو أقرب إلى تشبيهه ..
نوبة الضحك والقفز استمرت معه لفترة طويلة، تطاير فى أرجاء المنزل مردداً تلك الكلمات الساخرة: أنا فشارة فى الحلة! أنا بطير أنا فرحان!
حتى وصل صوته إلى الجيران والمارة فى الشارع ثم سمع ذلك الطرق الشديد على الباب وما أن فتحه حتى صدمته تلك اللكمة لتسقطه أرضاً فقال بسخرية: الفشارة لزقت فى قاع الحلة!
وما أن بدأ الضحك والدماء تتناثر من فمه وأنفه حتى صدمته لكمة أخرى لتفقده وعيه ..

أفاق فى قسم الشرطة ليسأل عن تهمته فرد الضابط الجالس أمامه بهدوء وبوجه خلا من الملامح: أنت تعلم يا سيد عباس أن بلادنا أصدرت قانون تجريم السعادة مؤخراً وقد قمت بخرق ذلك القانون بشهادة جيرانك وأصحاب المحلات المجاورة لمنزلك، أخبرنى أنك لم تكن تعلم بذلك القانون!
فرد عباس ساخراً: لا كنت أعلم بالطبع!
بدت ملامح الغضب على وجه الضابط وهو يقول: إذن تعترف بأنك خرقت القانون عن عمد؟
فهتف عباس فى حدة: نعم خرقت قانونكم الأحمق!
قالها ليجد يدا ثقيلة تصفق على خلفية رأسه ففقد الوعى ثانية ..
ليومين على التوالى كان موضوع ذلك الرجل الغريب الذى أظهر سعادته حديث الجميع وعباس يغنى ويرقص ويقفز كالفشارة فى محبسه ومن الواضح أن حديث أصحاب القرار وأولي الأمرعن الموضوع أفضى إلى حكم القاضى: يحول إلى مشفى الأمراض النفسية والعصبية ليعالج من مرض السعادة الذى أصابه!
وبهذا لن يصبح بطلا ولن يقلده أحد، سيصبح مجنوناً مريضاً بذلك المرض البشع المسمى .. السعادة!!


***

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

ذكريات فاصلة - قصة قصيرة

البحث فى اعماق الذاكرة كالغوص فى ماء مثلج فى منتصف الصيف، ألم لذيذ!
الذكريات تحمل الكثير، تحمل ما يجعلك تكرهها وما يجعلك تعشقها، ما يحملك إلى جنة الفرح أو ما يأسرك فى اظلم بقاع جهنم الحزن، ولكنها فى النهاية صور واصوات مسجلة، مواقف واحداث لم تعشها أنت!
أنت فقط متفرج تشاهد تلك اللحظات فى خيالك ولكن ذلك الشخص الذى عاصر تلك الاحداث وعاشها لم يكن يعلم، لم يكن يدرى كم هى ثمينة تلك اللحظة، لم يكن يعلم متى عليه التوقف أو البدء، يتعامل وفقاً لأقدار وإختيارات لا يعلم عقباها ..
أنت تعلم كل شىء الأن، تعلم ما سيحدث، تريد الصراخ به!
"لا، لا تفعل أرجوك أنت لا تدرى ما سيحدث بعدها!"
ولكنه لا يستطيع سماعك، يسير بخطى محسوبة نحو قدره، دعك من كل تلك الافكار!
لن يتغير شىء ..

كل هذه الافكار دارت بعقله وهو يبحث عنها فى ذاكرته!
لا يستطيع ايجادها، هى التى كانت تعنى كل شىء وأى شىء!
حتى ملامحها لا يستطيع تذكرها، ولكنه يعلم أنها موجودة، عليك الذهاب أعمق فى الذاكرة مؤكد ستجدها فى أى لحظة، فى أى موقف ..

ربما فى لحظات الإختلاف ..
بين وقوفه فى طابور لشراء الخبز، ووقوفه فى طابور تذاكر السينما
اصابه الملل من طابور الخبز فتركه، ولكنه شاهد الفيلم!


أو ربما لحظات المرض ..
يوم اخبره الطبيب حين أتم العشرين بذلك المرض الوراثى الذى سيطرحه أرضاً، لم يرث مرض لعين فحسب بل سلالة جديدة اكثر فتكاً وقدرة على الأذى!


وماذا عن لحظات التمرد؟
حين شاهد ذلك المبنى الشاهق المجهز بكل وسائل الرفاهية فتمرد على غرفته الضيقة!

أو بلحظات الألم ..
حين اخبره جميع الاطباء بنفس النتيجة، سيموت عما قريب لا محال واكتفى هو بترديد "وما تدرى نفس ما تكسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت"

لا يستطيع ايجادها،  بحث فى كل ارجاء ذاكرته اللعينة ولم يجد شىء
يا هَم العُمر وفرحته، يا كل شىء لم لا أجد منك شىء؟
عليه الإستمرار بالبحث مؤكد سيجد شيئاً!
اعمق ، اعمق .. أذهب فى أعماق أعماق الذاكرة ، هناك حيث لا يوجد نور كافى لترى تلك اللحظات المختبئة فى الظلام ..

بداية من لحظات الخجل ..
تخليه عن من حوله، انانيته وعصبيته، جسده الواهن الذى اصبح مثار سخرية، مرضه الغريب!

ماذا عن لحظات الحب؟ لم يخطر بباله البحث هنا، مؤكد سيجدها هنا!
كيف كان بهذه الحماقة؟ اخيراً سنلتقى، اخيراً سأرى ملامح وجهك ثانية!
لا، لا يوجد شىء عنها هنا!
كيف؟ لابد أن تكون هنا ..



لحظات الحب ..
أمه تبكى من أجله وتدعو الله أن يرزقه الشفاء، صديق يضحى بوقته وعمله ليساعده فى رحلة البحث عن علاج ..

هذا كل شىء؟
لم يسمح له القدر بوقت كاف ليملىء هذا الجزء!
أنت وحدك فحسب، وهى؟ لا وجود لها!
ليس وأنت طريح الفراش تنتظر الموت!
مهلاً، هذا جديد! يستطيع سماع اصوات متداخلة ..

-        هل سيظل هكذا طويلاً يا دكتور؟
-        بقاءه على قيد الحياة فى حد ذاته معجزة بكل المقاييس، أقسم لكِ أننى لم أر فى حياتى من هو متمسك بالحياة مثله!
-        ولكنه لا يتحرك حتى ..
-        إنه يصارع المرض الأن، المرض يعبث برأسه وهو يقاومه،
كل ما يحتاج إليه هو الإنتصار، أن يفتح عيناه لتعود وظائف جسده للعمل بدلاً من كل تلك الاجهزة التى تعمل بديلاً عنها، فقط رأسه تعمل الأن، تعمل وتجاهد من أجل الحياة!

عليك ايجادها، لا تستسلم .. مؤكد ستجدها!
لا، لا تتوقف عن البحث، لا تفقد الأمل!

انظر! إنها هى ..
أعلم إنك لا تعرفها، ولكننى أقسم لك إنها هى من تبحث عنه، إنها تتحدث! إنها تناديك!

"أفتح عيناك!"

أسمع لها الأن لقد وجدتها اخيراً، أفعل ما تخبرك به الحياة!


***