الجمعة، 18 نوفمبر 2011

ذكريات فاصلة - قصة قصيرة

البحث فى اعماق الذاكرة كالغوص فى ماء مثلج فى منتصف الصيف، ألم لذيذ!
الذكريات تحمل الكثير، تحمل ما يجعلك تكرهها وما يجعلك تعشقها، ما يحملك إلى جنة الفرح أو ما يأسرك فى اظلم بقاع جهنم الحزن، ولكنها فى النهاية صور واصوات مسجلة، مواقف واحداث لم تعشها أنت!
أنت فقط متفرج تشاهد تلك اللحظات فى خيالك ولكن ذلك الشخص الذى عاصر تلك الاحداث وعاشها لم يكن يعلم، لم يكن يدرى كم هى ثمينة تلك اللحظة، لم يكن يعلم متى عليه التوقف أو البدء، يتعامل وفقاً لأقدار وإختيارات لا يعلم عقباها ..
أنت تعلم كل شىء الأن، تعلم ما سيحدث، تريد الصراخ به!
"لا، لا تفعل أرجوك أنت لا تدرى ما سيحدث بعدها!"
ولكنه لا يستطيع سماعك، يسير بخطى محسوبة نحو قدره، دعك من كل تلك الافكار!
لن يتغير شىء ..

كل هذه الافكار دارت بعقله وهو يبحث عنها فى ذاكرته!
لا يستطيع ايجادها، هى التى كانت تعنى كل شىء وأى شىء!
حتى ملامحها لا يستطيع تذكرها، ولكنه يعلم أنها موجودة، عليك الذهاب أعمق فى الذاكرة مؤكد ستجدها فى أى لحظة، فى أى موقف ..

ربما فى لحظات الإختلاف ..
بين وقوفه فى طابور لشراء الخبز، ووقوفه فى طابور تذاكر السينما
اصابه الملل من طابور الخبز فتركه، ولكنه شاهد الفيلم!


أو ربما لحظات المرض ..
يوم اخبره الطبيب حين أتم العشرين بذلك المرض الوراثى الذى سيطرحه أرضاً، لم يرث مرض لعين فحسب بل سلالة جديدة اكثر فتكاً وقدرة على الأذى!


وماذا عن لحظات التمرد؟
حين شاهد ذلك المبنى الشاهق المجهز بكل وسائل الرفاهية فتمرد على غرفته الضيقة!

أو بلحظات الألم ..
حين اخبره جميع الاطباء بنفس النتيجة، سيموت عما قريب لا محال واكتفى هو بترديد "وما تدرى نفس ما تكسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت"

لا يستطيع ايجادها،  بحث فى كل ارجاء ذاكرته اللعينة ولم يجد شىء
يا هَم العُمر وفرحته، يا كل شىء لم لا أجد منك شىء؟
عليه الإستمرار بالبحث مؤكد سيجد شيئاً!
اعمق ، اعمق .. أذهب فى أعماق أعماق الذاكرة ، هناك حيث لا يوجد نور كافى لترى تلك اللحظات المختبئة فى الظلام ..

بداية من لحظات الخجل ..
تخليه عن من حوله، انانيته وعصبيته، جسده الواهن الذى اصبح مثار سخرية، مرضه الغريب!

ماذا عن لحظات الحب؟ لم يخطر بباله البحث هنا، مؤكد سيجدها هنا!
كيف كان بهذه الحماقة؟ اخيراً سنلتقى، اخيراً سأرى ملامح وجهك ثانية!
لا، لا يوجد شىء عنها هنا!
كيف؟ لابد أن تكون هنا ..



لحظات الحب ..
أمه تبكى من أجله وتدعو الله أن يرزقه الشفاء، صديق يضحى بوقته وعمله ليساعده فى رحلة البحث عن علاج ..

هذا كل شىء؟
لم يسمح له القدر بوقت كاف ليملىء هذا الجزء!
أنت وحدك فحسب، وهى؟ لا وجود لها!
ليس وأنت طريح الفراش تنتظر الموت!
مهلاً، هذا جديد! يستطيع سماع اصوات متداخلة ..

-        هل سيظل هكذا طويلاً يا دكتور؟
-        بقاءه على قيد الحياة فى حد ذاته معجزة بكل المقاييس، أقسم لكِ أننى لم أر فى حياتى من هو متمسك بالحياة مثله!
-        ولكنه لا يتحرك حتى ..
-        إنه يصارع المرض الأن، المرض يعبث برأسه وهو يقاومه،
كل ما يحتاج إليه هو الإنتصار، أن يفتح عيناه لتعود وظائف جسده للعمل بدلاً من كل تلك الاجهزة التى تعمل بديلاً عنها، فقط رأسه تعمل الأن، تعمل وتجاهد من أجل الحياة!

عليك ايجادها، لا تستسلم .. مؤكد ستجدها!
لا، لا تتوقف عن البحث، لا تفقد الأمل!

انظر! إنها هى ..
أعلم إنك لا تعرفها، ولكننى أقسم لك إنها هى من تبحث عنه، إنها تتحدث! إنها تناديك!

"أفتح عيناك!"

أسمع لها الأن لقد وجدتها اخيراً، أفعل ما تخبرك به الحياة!


***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق