الاثنين، 28 مايو 2012

أسطورة أهل السماء - قصة قصيرة

"إلى متى ستدوم سعادتنا برأيك؟" ألقت السؤال عليه وهما يستلقيان على كراسى البحر فى أحد شواطىء البحر الأحمر وكلاهما ينظران للسماء، يقضيان سوياً ذلك الشهر الذى يتبع الزواج والمسمى بشهر العسل وكأن من أطلق هذا المسمى أدرك أن بالحياة شهراً واحداً فقط للسعادة ..
صمت هو قليلاً ثم التفت إليها مجيباً بسؤال آخر: وهل للسعادة حدود أو فترة معينة تنتهى بعدها؟
أجابت وقد امتزج خوفها المعتاد من المستقبل بنبرة صوتها: نعم! يأتى وقت تكثر فيه العثرات والمشكلات ويصعب فيه التفاهم، يأتى وقت تختفى فيه السعادة، انظر حولك هل رأيت اثنين جمعتهما سعادة أبدية؟
هز رأسه موافقاً وقال مكملاً حديثها: أعلم هذا، إنهم حتى يحرصون على اخبار العالم بكونهم تعساء غابت عنهم السعادة، يملؤون الأرض بأصوات نحيبهم ولا يكفون عن الشكوى أبداً!
ثم مال على أذنها وهمس: ويملؤوّن قلوب البعض بالشكوك والخوف من المستقبل
قالها ثم وقف هاتفاً: حتى انتقلت عدوى شكواهم الى أهل الارض جميعاً وصاروا فى خشية دائمة من غدر الأيام
همت بقول شىء ما ولكنه قاطعها مكملاً هتافه وكأنه يلقى محاضرة اجتمع لسماعها أهل الارض: اللعنة على كل شاكٍ لا يجيد سوى إظهار كم هو مظلوم سىء الحظ غدرت به الأيام والأشخاص وخذلته السعادة حتى انتشر شعوره هذا وأخاف به من حوله، أصبح حادثة على مر الطريق يخشى المارة نهاية كنهايتها وظنوا جميعاً أن السعادة لا تدوم!
همست خائفة من رد فعله على ما ستقول: ولكنها الحقيقة، السعادة لا تدوم!
تحرك أمامها فى حركة مسرحية ومد يده إليها قائلاً: ألم أخبرك عن أسطورة أهل السماء؟
علمت على الفور أنه يدعوها للرقص، إنها عادته منذ زواجهما، يحكى لها ما يريد وهما يستمتعان برقصة هادئة، لم تمانع فهو يجيد الرقص والسرد أيضاً!
هى تحبه ولكنها تخشى المستقبل، تخشى غدر الأيام وضياع السعادة الغالية
أفكار عديدة اختلطت برأسها وهى تمد له يدها  ليساعدها على النهوض ويلف ذراعيه حولها ثم يبدأ الرقص .. والسرد!
"فى زمن مضى، زمن كان الناس يعيشون فيه على بقعة واحدة من بقاع الارض، زمن لا يتقاتل فيه البشر من أجل الأرض والماء عاش أهل الأرض والأيام تقذف بهم بين سعادة وحزن، بين تفاهم واختلاف، إلا هما!
لم يختلفا على شىء، لم تنساب قطرة واحدة من الحزن لتعبث بقلوبهم ولأنهما لم يجيدا إخفاء الأمر علم أهل الأرض بأمرهما فتملك الحقد والحسد قلوب أهل الأرض وصاروا لا يشكون حزنهم فحسب، بل صاروا يشكون كون هناك من يسعد حولهم وهم يحيط بهم الحزن، حتى أتى يوم أجُبر فيه الثنائى السعيد على السفر والرحيل بعيداً عن أهل الأرض ..
تنفس هو الصعداء وقد انتهى من حزم الحقائب، سيفتقد المنزل كثيراً ولكنه مجبرعلى الرحيل مع من يحب، أجبره حقد وحسد أهل الأرض على الأمر، أمسك بالحقائب وألقى نظرة وداع أخيرة على المنزل ثم خرج ليلقاها أمام المنزل ولكنه فوجىء بها وجسدها قد افترش الأرض، ألقى الحقائب واندفع يركض نحوها ليرى ما بها ولكنه استوقفه ..
كان مختلف! رجل مختلف، شكله مختلف، ملابسه مختلفة، كل شىء!
لم ير له مثيلاً من قبل!
وما أن تمالك نفسه من صدمة ظهوره أمامه حتى صرخ: ماذا فعلت بها؟
أجاب بهدوء: أرسلتها حيث تنتمى، مكانكما ليس بالأرض!
كان ينظر إليها بأعين دامعة وهو يهتف: أين إذاً؟
أشار الرجل الى أعلى وهمس: السماء، إنه دورك!
وسط دموعه سأل ثانية: هل سألقاها هناك؟
أومأ الرجل برأسه وأجابه: بالتأكيد!
مد يده إلى صدر صاحبنا الذى نظر إلى جسد من أحب هامساً: سنلتقي ثانية، بالسماء!
مد الرجل يده ليخترق صدره ويمسك بقلبه ثم عصره بين يديه ليوقفه عن العمل فسقط جوارها، وبعدها أشار الرجل فانطلقا إلى السماء ليصبحا نجمتين متقاربتين، وعلم أهل الأرض بالأمر، علموا أن السعادة المطلقة هى أمر يخص أهل السماء فحسب ولكن أهل السماء لم يتركوا الأرض، كان كلما التقى اثنان من أهل السماء على الأرض أخفيا أمر سعادتهم عن أهلها بل وبالغ البعض بإظهارهم حزناً زائفاً ومفتعلاً حتى لا يكتشف أحد أمرهما!"



إنتهى من السرد فضمته إليها أكثر وهى تهمس بأذنه: أهى حقاً أسطورة؟
ضمها إليه بدوره وهمس: من يدرى، من يدرى!


***

الخميس، 24 مايو 2012

انتظار - قصة قصيرة

جلس العجوز جواره فى انتظار القطار ..
جوار الشاب الذى دفن رأسه بين يديه وقد ارتسمت على وجهه كل قسمات الحزن والألم الممكنة، سكت العجوز برهة ثم سأله: أمسافر أنت لمدينة الأحزان؟
أجاب الشاب دون أن يحرك رأسه: بل مسافر إليها، إلى الحبيبة!
فسأله العجوز مندهشاً: أيحزنك هذا؟
بصوت حمل الألم وأنين من انتهى من البكاء أجاب: بل هو العجز!
العجز عن أن تضم من تعلق به قلبك حين يبكى، العجز عن أن تمسح يداك دموعه، هو العجز وقهر المسافات المعتاد ..
همس العجوز بأذنه: سيتأخر القطار، دعك من هذا وانسَ الأمر برمته
أشاح الشاب بوجهه وقال: هذا ما يحزننى، سيتأخر القطار قليلاً، سيتأخر ولكننى سأنتظره، كن على ثقة أننى سأنتظره سيدى، أما أنت فها هو قطارك قد أتى!
لم يجد العجوز طريق يسلكه لإقناع الشاب بالعدول عن قراره، وكانت نهاية القصة أن ركب عجوز اليأس قطار الأمل ليطيح به بعيداً


***

السبت، 19 مايو 2012

مسار مُعدل - قصة قصيرة

جلس على الأرض محاولاً امتصاص بعض البرودة منها، برودة كتلك البرودة التى تملأ داخله ولكنها لا تنقل لجسده سوى حرارة كالجحيم!
أمواج الذكريات تثور برأسه، تبني وتبني وتبني وبخطأ واحد فقط ..
خطأ واحد غير مقصود وينهار كل شيء!
حماقات لا تنتهي تودى بصفعات داخلية مؤلمة وفى المعارك الداخلية لا يوجد منتصر ومهزوم، تحسب كم الخسائر والأضرار فحسب، وفى حالته هى كبيرة!
التنفس صار أمراً شديد الصعوبة، يحاول الوقوف ولكن كل نقطة دماء تجرى فى عروقه توقفت عن الحراك، هبوط فى الدورة الدموية أدى لسقوطه على رأسه وكجرح القلب فتح جرح بالرأس انسابت منه الدماء والروح ..
يستيقظ بغتة من غفوته ومن ذلك الكابوس، يدرك أنه لايزال على قيد الحياة لا لشيء إلا لأن أجل الله لم يحن فيستند إلى الحائط ويقف على قدميه!
يبكي، يفكر، يصنع الوعود، يرسم الطرق، يفكر ثانية، ينظر للسماء، يبتسم!


***

الأربعاء، 9 مايو 2012

الفتى الذى نظر للسماء - قصة قصيرة

- ما المختلف فى السماء اليوم؟
قلتها متعجباً لصديقى المستلقى على ظهره بجوارى وعيناه تحلق فى السماء حتى أننى اضطررت لإعادة السؤال لأعيده للأرض، تنهد وقال: ألا تراها هناك؟
فرددت نافياً: السماء كما هى، لم يتغير فيها شىء عن البارحة أو حتى من شهر وربما عام مضى!
فهتف بحدة: لا تقل هذا! أنت فقط لا ترى وجهها يزين السماء هذا المساء
كان ينظر للسماء وابتسامته تتسع شيئاً فشيئاً، قسمات وجهه المحفورة بالسعادة تلك لم أرها مرسومة على وجهه من قبل، وكأن تراب الزمن قد عبث بها ورياح الليلة أزالته، تنهد ثانية وقال بصوت خافت: ما أجمل السماء هذا المساء!
وضعت يدى على رأسه وقلت ساخراً: أصابتك الحمى يا مسكين، أفق من خيالاتك هذه!
فرد وعيناه لازالت معلقة بالسماء: خيالات؟ ربما!
هممت بقول شىء فقاطعنى هاتفاً: بل هى الحقيقة كلها، انظر إلى السماء جيداً!
فى الماضى لم تكن بهذا الصفاء، فى الماضى لم تكن بعيدة هكذا، فى الماضى كان يمكنك أن تمد ذراعك فترتب النجوم وتعبث بالقمر
سألته بشىء من الفضول: وماذا حدث؟
فأجاب بحماس ربما لأننى أظهرت الاهتمام بما يقول أخيراً: فى عصر مضى عاشت السماء وسط الكواكب تشاركهم كل شىء ولأنها كانت الاجمل بينهم كانت تتلاعب بهم لعبتها المعتادة ..

- أى لعبة؟
- اللعبة المعتادة، تجمع الكواكب كل ليلة وتخبرهم أن لها حبيب تشتاقه فتجعلهم جميعاً يتسائلون من المقصود!
- وماذا حدث بعدها؟



- دائماً ما كانت السماء تتميز بالغموض، كصوت يسمعه الجمهور على مسرح لم تفتح ستائره بعد فيصفق، صوت التصفيق أسعدها فصارت تتحدث أكثر وأكثر وتزايد تصفيق الجمهور حتى نال منها الفضول وخرجت من وراء الستار لتلقى التحية على الجماهير فسقطت!
علمت الكواكب بأمر لعبتها حين تخلت عن غموضها المعتاد وأرسلوها بعيداً!
- وماذا عن الارض؟
- أنت تعلم الارض جيداً، أدارت لها جانبها المظلم، الجانب الذى لا تصل إليه الشمس! أما بقية الكواكب اختلفوا فاقتتل بعضهم وحاول أصغرهم الاقتراب من السماء فتجمد أما اكبرهم فابتعد عن السماء واقترب من الشمس ولم يأبه أى من بقية الكواكب لأمرهما، نسوا أنهم كانوا فى الأصل كتلة واحدة قبل الانفجار العظيم الذى فرقهم!
- وماذا فعلت السماء حينها؟
- بكت السماء ولكن دموعها لم تسقط على أى من الكواكب بل تحجرت لتكوُن النجوم وفى ليلة أرسلت شهاباً إلى الأرض ومعه رسالة تسألها فيها عن سر تغييرها فردت الأرض: كيف تتوقعين منى إجابة صادقة على سؤال كاذب؟
السماء لم ترسل سؤالها هذا للارض فحسب بل لكل الكواكب، تريد أن تلعب لعبتها ثانية ولكن رفض الأرض أشعل غضبها على الكواكب وقررت الانتقام!
- وكيف هذا؟
- أصابت أحد الكواكب بالعواصف الحمراء وأزالت الحياة من على سطح بعضها أما الأرض فاحتمت بغلافها الجوى من هجوم السماء فصارت تقذفها كل ليلة بالشهب ولما لم يفلح هذا أصابتها بالزلازل والبراكين ولكن الأرض صمدت وعلى مدار عصور عديدة لم يكن هناك ما يسعد السماء سوى رؤية الكواكب عابسين!
حتى أتى يوم، بل أتت هى تحمل الغد فوق راحتيها!
- ومن تكون؟
- السماء!
- سماء أخرى؟
- فى الماضى كان للسماء أكثر من وجه ياعزيزى، وهى كانت الوجه الأجمل!
بمجرد ان أشرق وجهها على الكواكب اختفت الشمس ولمعت النجوم أكثر، وأخيراً التفتت الأرض بجانبها المشرق إلى السماء ثانية!
وقف صديقى فاتحاً ذراعيه إلى السماء وهو ينظر إليها ويهتف: يــــــاه!
فقلت فى فضول بالغ: عد هنا وأخبرنى ماذا فعلت الكواكب؟
عاد يستلقى جوارى وأكمل: الجميع عاد ينظر للسماء ثانية بحذر وتخوف عدا الأرض التى فردت ذراعيها وألقت حزام الجاذبية خلفها وألقت بقلبها بين يدي السماء أما السماء فقلب الأرض غيرها، كسر لعنة وجوهها المتعددة فأصبحت بوجه واحد
ولكنه يحمل فى طبقاته الحزن والحب والفرح والغضب والخوف والكراهية والطمأنينة، صفات لم تكن تمتلكها السماء من قبل، أما باقى الأوجه فسقطت كلها على سطح الكواكب فمنهم من انتقم ومنهم من أحب ومنهم من تجاهل، ولم تأخذ الأرض من هذه الوجوه نصيب سوى ذلك الوجه الباسم الجديد للسماء ..
- وهكذا انتهت الحكاية اذاً؟
- لا، منذ ألقت الأرض بقلبها إلى السماء وأهل الأرض قلوبهم تعلقت بأهل السماء فصار كل منهم يبحث عن من يحمل قلبه من أهل السماء حتى يأتى الأوان ويرى وجه من يبحث عنه يبتسم له فى السماء قبل أن يجده على الأرض!
- لهذا تنظر إلى السماء إذن؟ من ترى؟
- أراها هناك تحمل قلبى بين راحتيها، تبتسم لى، تنتظرنى!
- من؟
- إحدى بنات السماء يا صديقى
قالها وأغمض عينيه فنظرت للسماء بدورى، ورأيتها!
هى الحقيقة كلها وليست بخيال من وحى صديقى!
تبتسم لى، تنتظرنى!


***

موسم أمطار الحب - قصة قصيرة

أعلنت دقات عضلة القلب موعد ندائه لها، يقبل عليها ليجدها تجلس ممسكة بصورته وقد اختفت من وجهها معالم المشاعر الإنسانية من خوف أو حزن أو فرح فيبتسم ويقول فى حماس: إنها تمطر حباً بالخارج!
ثم يمد يده لها وبحركة استعراضية يهتف: هلا تشاركيني؟
ولكن كل هذا لم يغير ولو حتى نظرتها الخاوية أو يمسح المخاط الذى سال من أنفها مسبوقاً بسيل من الدموع لا تستطيع تغيير جغرافية هذا الوجه الخالى من الإنفعالات!
يبتعد، وفى كل يوم تدق عضلة القلب معلنة موعد النداء وفى كل يوم يلبي النداء وفى كل يوم لا تجيبه، حتى دقت عضلة القلب معلنة موعد النداء قبل موعده اليومي المعتاد، يقبل عليها ليجد صورته على الحائط ولا يجدها على الكرسي الذى اعتادت الجلوس عليه، يجدها تقف عند الباب وتهتف: إنها تمطر حباً بالخارج!
ثم تمد يدها له وتقول بحماس: هلا تشاركني؟
تحتضن يده يدها ويعبرا الباب سوياً ..


***