"إلى متى ستدوم سعادتنا برأيك؟" ألقت
السؤال عليه وهما يستلقيان على كراسى البحر فى أحد شواطىء البحر الأحمر وكلاهما
ينظران للسماء، يقضيان سوياً ذلك الشهر الذى يتبع الزواج والمسمى بشهر العسل وكأن
من أطلق هذا المسمى أدرك أن بالحياة شهراً واحداً فقط للسعادة ..
صمت هو قليلاً ثم التفت إليها
مجيباً بسؤال آخر: وهل للسعادة حدود أو فترة معينة تنتهى بعدها؟
أجابت وقد امتزج خوفها المعتاد
من المستقبل بنبرة صوتها: نعم! يأتى وقت تكثر فيه العثرات والمشكلات ويصعب فيه
التفاهم، يأتى وقت تختفى فيه السعادة، انظر حولك هل رأيت اثنين جمعتهما سعادة أبدية؟
هز رأسه موافقاً وقال مكملاً
حديثها: أعلم هذا، إنهم حتى يحرصون على اخبار العالم بكونهم تعساء غابت عنهم
السعادة، يملؤون الأرض بأصوات نحيبهم ولا يكفون عن الشكوى أبداً!
ثم مال على أذنها وهمس: ويملؤوّن
قلوب البعض بالشكوك والخوف من المستقبل
قالها ثم وقف هاتفاً: حتى
انتقلت عدوى شكواهم الى أهل الارض جميعاً وصاروا فى خشية دائمة من غدر الأيام
همت بقول شىء ما ولكنه قاطعها
مكملاً هتافه وكأنه يلقى محاضرة اجتمع لسماعها أهل الارض: اللعنة على كل شاكٍ لا
يجيد سوى إظهار كم هو مظلوم سىء الحظ غدرت به الأيام والأشخاص وخذلته السعادة حتى
انتشر شعوره هذا وأخاف به من حوله، أصبح حادثة على مر الطريق يخشى المارة نهاية
كنهايتها وظنوا جميعاً أن السعادة لا تدوم!
همست خائفة من رد فعله على ما
ستقول: ولكنها الحقيقة، السعادة لا تدوم!
تحرك أمامها فى حركة مسرحية ومد
يده إليها قائلاً: ألم أخبرك عن أسطورة أهل السماء؟
علمت على الفور أنه يدعوها
للرقص، إنها عادته منذ زواجهما، يحكى لها ما يريد وهما يستمتعان برقصة هادئة، لم
تمانع فهو يجيد الرقص والسرد أيضاً!
هى تحبه ولكنها تخشى المستقبل،
تخشى غدر الأيام وضياع السعادة الغالية
أفكار عديدة اختلطت برأسها وهى
تمد له يدها ليساعدها على النهوض ويلف
ذراعيه حولها ثم يبدأ الرقص .. والسرد!
"فى زمن مضى، زمن كان
الناس يعيشون فيه على بقعة واحدة من بقاع الارض، زمن لا يتقاتل فيه البشر من أجل الأرض والماء عاش أهل الأرض والأيام تقذف بهم بين سعادة وحزن، بين تفاهم واختلاف،
إلا هما!
لم يختلفا على شىء، لم تنساب قطرة واحدة من الحزن لتعبث بقلوبهم ولأنهما لم يجيدا إخفاء الأمر علم أهل الأرض بأمرهما فتملك الحقد
والحسد قلوب أهل الأرض وصاروا لا يشكون حزنهم فحسب، بل صاروا يشكون
كون هناك من يسعد حولهم وهم يحيط بهم الحزن، حتى أتى يوم أجُبر فيه الثنائى السعيد على السفر والرحيل بعيداً عن أهل الأرض ..
تنفس هو الصعداء وقد انتهى من
حزم الحقائب، سيفتقد المنزل كثيراً ولكنه مجبرعلى الرحيل مع من يحب، أجبره حقد وحسد أهل الأرض على الأمر، أمسك بالحقائب وألقى نظرة وداع أخيرة على المنزل ثم خرج ليلقاها أمام المنزل ولكنه فوجىء بها وجسدها قد افترش الأرض، ألقى الحقائب واندفع يركض نحوها ليرى ما بها ولكنه استوقفه ..
كان مختلف! رجل مختلف، شكله
مختلف، ملابسه مختلفة، كل شىء!
لم ير له مثيلاً من قبل!
وما أن تمالك نفسه من صدمة ظهوره أمامه حتى صرخ: ماذا فعلت بها؟
أجاب بهدوء: أرسلتها حيث تنتمى، مكانكما ليس بالأرض!
كان ينظر إليها بأعين دامعة وهو يهتف: أين إذاً؟
أشار الرجل الى أعلى وهمس: السماء، إنه دورك!
وسط دموعه سأل ثانية: هل
سألقاها هناك؟
أومأ الرجل برأسه وأجابه: بالتأكيد!
مد يده إلى صدر صاحبنا الذى نظر إلى جسد من أحب هامساً: سنلتقي ثانية، بالسماء!
مد الرجل يده ليخترق صدره ويمسك بقلبه ثم عصره بين يديه ليوقفه عن العمل فسقط جوارها، وبعدها أشار الرجل فانطلقا إلى السماء ليصبحا نجمتين متقاربتين، وعلم أهل الأرض بالأمر، علموا أن السعادة المطلقة هى أمر يخص أهل السماء فحسب ولكن
أهل السماء لم يتركوا الأرض، كان كلما التقى اثنان من أهل السماء على الأرض أخفيا أمر سعادتهم عن أهلها بل وبالغ البعض بإظهارهم حزناً زائفاً ومفتعلاً حتى لا يكتشف أحد أمرهما!"
إنتهى من السرد فضمته إليها أكثر وهى تهمس بأذنه: أهى حقاً أسطورة؟
ضمها إليه بدوره وهمس: من
يدرى، من يدرى!
***