السبت، 26 فبراير 2011

ثورة العصر - دراسة

البداية - ثورة تونس

اشتعلت المظاهرات فى تونس وتحولت لثورة شعبية جارفة على خلفية احراق الشاب بوعزيزى لنفسه احتجاجاً على الظلم فأمتدت النيران التى احرقت جسده الواهن لتحرق نظام من الظلم والاستبداد وتحوله لرماد ..
راقب العالم تلك الثورة بحذر وتوتر بينما تابعتها الشعوب العربية وقد عاد ذلك البريق المميز فى عيون أولادها، بريق الامل



25 يناير - يوم الغضب

مئات الالاف من شباب مصر يتعاملون مع الشبكات الاجتماعية عبر الانترنت وبينما تتابع اعينهم تلك الشاشات المضيئة لاحظوا انتشار دعوة لمظاهرة سلمية للمطالبة بالحقوق المشروعة التى طال غيابها وبين متحمس وساخر وغير مهتم تناقل جميعهم الرسالة حتى وصلت للجميع بمن فيهم جهاز أمن الدولة أو قُل أمن النظام .. النظام القوى!
نعم كان نظام قوى احكم قبضته على مصر لثلاثون عاماً وبدأت توقعات الناس التى خمنت كيف يكون موقف النظام ..
بعض الوعود الكاذبة أو تغيير محدود، كانت تلك هى الاراء السائدة ..
أما أن يهتز النظام بحق فكان خيال بحت، ربما توقعه فقط اكثر المتفائلين والمؤمنين بقوة الشعب، ومرت الايام سريعاً وأتى الثلاثاء الموافق الخامس والعشرين من يناير والمسمى بيوم الغضب، غضب مكبوت فى قلوب المتظاهرين الذين انتشروا فى العديد من المحافظات وكالعادة النظام القوى جاهز بأسلحته القمعية وبالرغم أن المظاهرات كانت سلمية إلا أن بعض جنود النظام لم يستطيعوا التحكم فى السادية والعنف داخلهم وسالت الدماء!
إنتهى اليوم بسقوط عدد من الشهداء والجرحى وداعب النظام القوى شاربه بفخر لا مثيل له وربما بشماته واستهزاء!
كأن لسان حاله يقول بسخرية: أنتوا فاكرينا تونس ولا أيه؟



اعتصام التحرير - ثورة الغضب

امتد يوم الغضب ليصبح ثورة من الغضب واستمر اعتصام محدود فى ميدان التحرير حتى يوم الخميس والنظام يقتل ويجرح ويحطم الامال حتى أنطلقت الدعوة لجمعة الغضب ..
لسبب أو لأخر شعر الجميع أن ما سيحدث فى هذا اليوم سيكون مختلفاً!
شعور تملك الجميع، حتى النظام القوى ..
النظام القوى الذى عرف قلبه فى ذلك اليوم الدقات السريعة ..
دقات الخوف!



جمعة الغضب - الشعب يريد اسقاط النظام
                                 
صباح الجمعة الموافق الثامن والعشرين من يناير قُطعت الاتصالات الخاصة بالهواتف المحمولة وقُطعت كل خدمات الانترنت ..
إنتهى الجميع من صلاة الجمعة واتجهوا للميدان، وكالعادة كان بانتظارهم جنود الامن المركزى والضباط فى الزى المدنى واتجهت أنظار العالم وكاميرات الفضائيات لميدان التحرير ..
انطلقت المظاهرات السلمية تندد بالظلم والقهر والاستبداد، تساقط الشهداء وسالت الدماء غزيرة حتى شعر الجميع بتلك القشعريرة التى انتابت الأرض، أرض مصر التى سالت عليها دماء أبنائها ..
وانطلق الهتاف الشهير "الشعب يريد اسقاط النظام" وانطلق معه الرصاص، كل الرصاص ..
الحى والمطاطى والخرطوش!
قاوم المتظاهرين بالحجارة مقابل هذا الرصاص والقى الله الخوف فى قلوب البعض ولكن البعض الاخر كانت قلوبه اقسى من الحجارة فاطلقوا أيديهم تقتل وتسفك الدماء ..
فرض حظر التجوال بحلول السادسة، وفجأة بدء انسحاب الشرطة بكل انواعها، اختفى جنود النظام بعد أن قتلوا المئات واصابوا الالاف، قتلوا الاب والابن والاخ والصديق فجن جنون الثوار الذين لم يجدوا متنفس لهم سوى إحراق رموز النظام  ..
نعم ليسوا كلهم فاسدين ولكنك تضطر لبتر جزء من جسدك لآن به مرض خبيث سينتشر بكامل جسدك إن لم توقفه، واحترقت مقرات الحزب الوطنى واقسام الشرطة وفر المساجين وظهر عامل جديد لم يتوقع أحد ظهوره بهذه السرعة .. الجيش!
أو قل البطل، عادة فى افلام الابطال الخارقين وعندما ينهار كل شىء يظهر البطل لتصحيح الامور وسط تصفيق الجماهير، وكانت هذه نظرة الشعب للجيش، فمنذ انضمام قطاعات من الجيش التونسى للمتظاهرين والجميع ينظر للجيش المصرى بحذر لا يخلو من الامل، وبالفعل انتشر الجيش وانسحبت عناصر الشرطة وسط علامات استفهام كبيرة، وفى نهاية اليوم ظهر الرئيس بخطاب اقال فيه الوزارة وعين نائباً له ولكن هذا كان متأخراً للغاية، وبزغ فجر السبت حاملاً أمل جديد، وثورة جديدة!  



ايام الثورة - اللجان الشعبية

صباح السبت انتشرت أخبار عن عمليات سرقة ونهب وتدمير فعلها من كانوا خلف الاسوار وتم إطلاقهم وحتى ممن كانوا خارجها، بينما أمتلىء ميدان التحرير بالمتظاهرين الذين احكموا سيطرتهم عليه وقوات الجيش تحيط بهم ومع حلول المساء كانت أنباء عن اقتحام عصابات مسلحة للمنازل وسرقتها تتناقلها محطات الانباء لاسيما التابعة لماسبيرو، وقام الشعب المثابر بتكوين لجان شعبية لحماية المنازل والمحلات يمسكون باسلحة لا تعلم من أين أتت ولكنها تشعرك بالامان!
أصبح التحرير مكاناً امناً ويسهل الوصول إليه عكس باقى أحياء القاهرة حيث كانت اللجان الشعبية تنتشر بالمساء مع حلول موعد بدء حظر التجول
وأستمر الاعتصام فى التحرير وتعددت البيانات والخطابات الصادرة عن قصر الرئاسة ولكن لم تكن أياً منها لتخمد الثورة ولكن تزيدها عنداً وأصراراً فببساطة الشعب أراد اسقاط النظام وهذا يعنى تنحى الرئيس! 



يوم التنحى - جمعة النصر

مع استمرار الاعتصام وضغط الجيش وفشل الخطاب الاخير للرئيس واحداث موقعة الجمل وفى يوم الجمعة الموافق الحادى عشر من فبراير وبعد مرور ثمانية عشر يوماً على اندلاع الثورة انطلق تقرير الجزيرة ليبدء بالأية الكريمة ..

"فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية"

لتعلن تخلى الرئيس عن مسئولياته للجيش وليبدء عصر جديد يشهد على قيام أبناء مصر بثورة على الظلم والفساد ..
ثورة تحدث عنها العالم ..
ثورة العصر!



مصطلحات ثورية

سقف المطالب: هو ذلك السقف السحرى الذى يحمل مطالب الشعب وهو يرتفع وترتفع معه المطالب مع مرور الوقت وهذا ما لم يدركه النظام!

اللجان الشعبية: لجان تتكون من المواطنين الذين حملوا أسلحة بيضاء ونارية للدفاع عن ممتلكاتهم بالتنسيق مع الجيش

العناصر المندسة: مصطلح أستخدمه النظام ليظهر الثوار على أنهم أجانب أو مأجورين فكانت فكرة النظام عن المتظاهرين دائماً أنهم مأجورين ينفذون اجندات اجنبية

الاجندة الخارجية: المقصود بها سياسة خارجية يتعامل بها أفراد مأجورين تبعاً لتعليمات وسياسات خارجية






وفى النهاية تبقى كلمة ..
يجب أن يعلم الجميع أن شهداء الثورة لم ولن يموتوا ..
فكما أعطاهم الله الخلد فى الجنة أعطاهم الخلد فى الارض كرموز، والرموز لا تموت!


***

الاثنين، 21 فبراير 2011

حساب قديم - قصة قصيرة

مع إشتعال ثورة الغضب واختفاء الشرطة وتهريب المساجين كان الأمر برمته فرصة للمجرمين وبدأت أعمال السرقة والنهب، وأضطر المصريين إلى تكوين لجان شعبية لحماية ممتلكاتهم البسيطة وفى أحدى هذه اللجان كان يقف سامح مع جيرانه وبيده عصا غليظة وقد صنعوا من عمود إنارة تالف حاجز امام السيارات لتفتيشها ..
كان يتحدث بتوتر مع أحدهم حين ظهرت عربة البوكس الخاصة بالشرطة وتوقفت أمامهم فنظر داخلها بحذر ليجد اثنان من فلول ضباط الشرطة بزيهم الرسمى فقال باستفزاز: البطايق ورخصة العربية!
نظر له الضابط الجالس على مقعد السائق بغضب وأعطاه اياهم بإستسلام وهو يتمتم باشمئزاز: لقد فحصوها أكثر من عشر مرات فى الأكمنة السابقة!
فرد سامح دون أن ينظر إليه: هذا شأنهم!
وبدء سامح يتذكر هذا الضابط وما فعله به منذ عامين، لم يكن بالحدث الجلل ولكنه أهانه بشدة حين تقدم ببلاغ ضد صاحب العمارة الذى وضع على سطحها نقطة تقوية إرسال لشبكة المحمول، سخر منه امام الجميع ووبخه كالطفل الصغير ذلك اليوم، اعاد سامح البطاقات للضابط ثم مال على أذنه وهمس فى سخرية: أنت تعلم ما يحدث لرجال الشرطة هذه الأيام، أرى أن تخلع هذا الزى السخيف!
غادر البوكس مسرعاً فسأل أحدهم سامح بقلق: ماله البوكس، فى حاجة؟
أبتسم سامح وهو يقول: أطمئن، إنه مجرد حساب قديم!


***

ثمن الحرية - قصة قصيرة

جمعة الغضب، ذلك اليوم التاريخى ..
ادى محمد صلاة الجمعة بصحبه صديقه عماد واتجهوا للميدان ..
ميدان التحرير!
كانت سحب كثيفة من الغاز المسيل للدموع تغطى الميدان حين وصلا إليه واستمرا فى التقدم حتى التحما بالجموع الغفيرة وسط اصوات الرصاص وصرخات المصابين، لم يكن محمد بصاحب القلب القوى إنها المرة الأولى له فى المظاهرات، كان يردد ما حفظ من القرأن بصوت خافت بينما يهتف عماد بحماس: الشعب يريد إسقاط النظام!
حتى سقطت قنبلة غاز بجوارهم فتفرقا فركض محمد وهو يبحث عن عماد بقلق بالغ حين وجد نفسه يقف امام أحد الضباط الذى صوب سلاحه نحوه بحذر فرفع محمد يديه وهو يقول بصوت باكى: ليس معى شىء، لا امتلك سلاح!
ولم يكد يكمل جملته حتى إنطلقت الرصاصة لتطيح به بعيداً وجموع من المتظاهرين تحاول النيل من الضابط الذى هددهم بسلاحه حتى سحبه جنوده خلفهم، وأخيراً وجد عماد صديقه ملقى على الأرض فاقترب منه باكياً، نظر له محمد وهو يبتسم قائلاً: إنها الحرية، دائماً لها ثمن والأن أشعر بها، لقد تحررت!
قالها وأسلم الروح فحمله عماد وهو يقول: لقد حررتنا جميعاً يا صديقى!


***

الخميس، 17 فبراير 2011

حالة خاصة - قصة قصيرة

مع بداية التسعينات أزدهر العلاج النفسى وبدء يحقق نجاحات مدهشة فى علاج المرضى المساكين الذين عانوا من معاملة سيئة فى الثمانينات وما قبلها، وفى أحدى مستشفيات لندن والتى تخصصت فى العلاج النفسى كان الطبيب الشاب فريد واين يتقدم مع الدكتور جون ويل أشهر أطباء لندن فى مجال العلاج النفسى نحو غرف المرضى، وكان الغرض من هذه الجولة شرح الحالات للطبيب الشاب حتى يتثنى له متابعة الحالات ونوع المرض التى أصابها ولكن فريد لم يكن مهتم حقاً بتلك الحالات فجميعها تقليدية للغاية، كما أن تلك الحالة التى حدثه عنها الدكتور جون اثارت فضوله وأشعلت حماسه لذا قال فريد بإستسلام: حسناً هذا يكفى، أنا أتحرق شوقاً لرؤية الحالة التى أخبرتنى عنها!
ابتسم دكتور جون تلك الإبتسامة الهادئة التى تميزه وتبعث الطمأنينة فى قلوب مرضاه وقال بصوته الوقور: بالرغم من براعتك إلا أن هذا المجال لا يحتاج الفضول الزائد والتعجل
رد فريد بخجل: أنا اعلم ولكننى اريد رؤية حالة مختلفة فكل الحالات هنا تقليدية للغاية وقد تم البدء فى علاجها بالفعل ولكنه يحتاج فترات طويلة
هز الدكتور جون رأسه موافقاً وقال: حسناً اتبعنى!
توقف الرجلان امام تلك الحجرة الأشبه بالزنزانة ثم همس دكتور جون قائلاً: كما أخبرتك تلك الحالة تجمع مزيج من البارنويا (الإحساس بالإضطهاد) والاسكيزوفرنيا (الفصام) فمنذ وفاة والدتها وهى تظن أنها ملكة بريطانيا الحقيقية حتى إنها هاجمت موكب الملكة فأحضروها هنا ولكن هذا ليس ما يميز حالتها فبالرغم من إنها تنكر أمها ألا إنها تستيقظ فى منتصف كل ليلة وتبكى وتردد فى ألم "أريد امى" حتى يخدرها أحد الممرضين فتنام وتستيقظ بالصباح لتكمل دور الملكة!
رد فريد فى ذهول: إنها حالة غريبة بحق، وما أسمها؟
غمز دكتور جون بعينيه وهو يقول: اسمها كاثى وهى بارعة الجمال!
حك فريد رأسه وهو يقول بخجل: أنا هنا لمساعدتها فحسب
ربت  دكتور جون على كتفه وهو يهم بالرحيل قائلاً: حظ سعيد، إن أحتجت إستشارتى فى أى شىء ستجدنى بمكتبى
فرد فريد : بالتأكيد!
تابع فريد دكتور جون وهو  يغادر الممر ثم أتجه لباب الغرفة وأزال القفل الحديدى ثم فتح الباب بهدوء ودخل الغرفة التى انتشرت بها أشعة الشمس ..

كانت الفتاة تنظر عبر النافذة التى وضعت عليها قضبان حديدية كتلك الموجودة بالسجون ولم تشعر بوجود فريد بالغرفة حتى قال: صباح الخير كاثى، كيف حالك اليوم؟
قالها بصوت هادىء فالتفتت وألقت عليه نظرة متفحصة ثم قالت فى صرامة: هل أنت من ضباط الملكة المزيفة؟
قال فريد ببساطة وبصوت اقرب إلى الهمس: بل أنا هنا لمساعدتك ملكتى!
ابتسمت كاثى فى سعادة قائلة: إذاً أنت تعلم إننى الملكة الحقيقية، هؤلاء الاطباء والضباط الحمقى ينكرون هذا، وأنا عادة لا أحب شتاء انجلترا وأفضل قضاءه فى الريف!
قال فريد وهو يسجل بعض الملاحظات فى ذلك الكتيب الصغير: نعم، إنهم خونة!
اقتربت منه كاثى وهمست فى أذنه: أنت ستخرجنى من هنا، اليس كذلك؟ يجب أن يعلم الجميع إننى الملكة الحقيقية!
رد عليها فريد بصوت هامس: بالتأكيد ملكتى، أنا اعمل على هذا، سأغادر الأن وسأعود بالمساء
نظرت إليه كاثى بحذر وعادت تنظر من النافذة ثم قالت فى سخرية: لا أنا اكره الخضروات!
غادر فريد الغرفة فى حيرة متجهاً لمكتب دكتور جون وهو يفكر فى تلك الحالة ..
كان دكتور جون يدخن غليونه وهو يكتب تقرير عن أحد الحالات التى وصلت حديثاً حين طرق فريد الباب فقال جون بألية: أدخل!
فدخل فريد وجلس على مقربة من جون ثم قال فى شغف: معظم أعراض الإسكيزوفرنيا واضحة للغاية، تداخل الكلام والهلوسة السمعية ولكن بالرغم من ذلك فأنا أعتقد أن تلك الحالة ليست معقدة لهذه الدرجة
قال دكتور جون وهو يكمل كتابة التقرير: أنا واثق أنك قادر على إيجاد حل ما
اندفع فريد قائلاً: نعم، ولهذا اريد مساعدتك
ترك جون التقرير وسأل فريد بفضول: وكيف أساعدك؟
رد فريد بسرعة: أريد إذن لأخراج كاثى من المشفى الليلة وسأعود بها مرة أخرى على مسئوليتى
حك جون ذقنه وقال باهتمام: إنه أمر صعب ولكن ليس مستحيل، سأعطيك التصريح ولكن دون الرجوع للادارة ولكن عليك العودة بالفتاة قبل منتصف الليل
قال فريد بسعادة وهو يهم بالرحيل: سأفعل، ولكن ألا تريد أن تعرف لماذا اريد اخراج كاثى من المشفى؟
رد جون بهدوءه المعتاد: لا تكشف اسرار علاجك لأحد يا فتى
ابتسم فريد قائلاً بإمتنان: شكراً دكتور جون!
ظل فريد يبحث حالة كاثى فى مكتبه لفترة تجاوزت الاربعة ساعات حتى عندما حل موعد الغداء كان يأكل وهو يفكر فى فكرة علاج خاصة لتلك الحالة المميزة، وفى تمام التاسعة كان يقف امام حجرة كاثى وقد نضجت تلك الفكرة، الفكرة الخاصة للحالة الخاصة!
فتح فريد القفل الحديدى ودخل الغرفة فوجد كاثى تجلس هادئة فاقترب منها هامساً: لقد اعترفت السيدة التى كانت تخبر الجميع انك ابنتها بالحقيقة واعترفت أنك الملكة الحقيقية!
كانت عبارته صدمة عنيفة لكاثى التى ولولت قائلة: ولكنها ماتت، اليس كذلك؟
رد فريد ببرود: لا، هذا لم يحدث!
وهنا انفجرت كاثى باكية وهى تقول بضراعة: اريد رؤيتها، أرجوك!
همس فريد ثانية: حسناً، ولكن توخى الحذر
قادها فريد لعربته وانطلق بها نحو التلال حيث توجد المقابر ..
كانت الأمطار قد بدأت تتساقط بغزارة حين واصلت عربة فريد الطريق للمقابر واخيراً توقف فريد امام مدخلها وسحب كاثى خلفه وهو يقول بصوت هادىء: إنها هنا!
سألت كاثى بتعجب: أين؟
أشار فريد إلى شاهد القبر الذى كُتب عليه بخط عريض

"هنا ترقد إيزابيلا مارك الاخت العزيزة والام المخلصة"

ثم قال فى تأثر: إنها امك كاثى، امك الحقيقية إيزابيلا! إنها لا ترقد هنا فحسب، إنها تشاهدك الأن وهى معك دائماً ولكنها بالتأكيد حزينة لإنكارك لها!
أرتمت كاثى تحتضن شاهد القبر وهى تبكى دون قول كلمة واحدة
تركها فريد بعض الوقت وعاد إليها فوجدها واقفة تمسح دموعها وحين لاحظت وجود فريد قالت بصرامة: أنا أسفة، كنت حمقاء حقاً لقد اخطأت فى حق امى المسكينة
هز فريد رأسه موافقاً وابتسم فى زهو وهو يقود السيارة عائداً للمشفى حين قالت له كاثى بحذر: هل يمكنك التوقف قليلاً؟ أحب تلك الرائحة التى تتبع الأمطار
فتوقف فريد وخرج هو وكاثى ينظرون للندن من فوق حافة ذلك التل العالى وهنا قالت كاثى بخجل: أعتقد أن الجو ابرد من المتوقع سأحضر معطفى من السيارة
ثم اتجهت للسيارة ولكنها توقفت وعادت تطبع قبلة على جبين فريد قائلة بخجل: شكراً على كل شىء!
واتجهت نحو السيارة فتابعها فريد تمضى وأطلق لخياله العنان ..
إنه سيصبح أشهر طبيب نفسى بلندن، بل بالعالم بأسره، لقد عالج الحالة الخاصة التى عجز أستاذه  جون عن علاجها مؤكد سيصبح الأفضل فى هذا المجال، وكل هذا بفضل كاثى، تلك الفتاة بدت له رائعة بحق ..
ولكن لحظة! إنه لا يتذكر أنها كانت ترتدى معطف!
ولكن من يهتم لقد عالج الحالة الخاصة، وبينما هو غارق فى أحلامه دفعته يد بقوة ليسقط من اعلى التل ونظرة ذهول وغضب تعتلى وجهه
اطلت كاثى برأسها تنظر إليه أسفل التل وهى تقول بغضب هادر: خائن وعميل للملكة المزيفة!


***